الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا

[ ص: 133 ] "يتخافت المجرمون بينهم": يتسارون، المعنى أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوها، واختلف الناس في هذا، فقالت فرقة: في دار الدنيا ومدة العمر، وقالت فرقة: في الأرض مدة البرزخ، وقالت أخرى: ما بين النفختين في الصور.

و أمثلهم طريقة معناه: أثبتهم نفسا وأعلمهم بالحقيقة بالإضافة إليهم، فهم في هذه المقالة يظنون أن هذا قدر لبثهم.

والضمير في قوله تعالى: "ويسئلونك"، قيل: إن رجلا من ثقيف سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجبال، ما يكون أمرها يوم القيامة؟ وقيل: بل سأله عن ذلك جماعة من المؤمنين. وقد تقدم معنى النسف، وروي أن الله تعالى يرسل على الجبال ريحا فيدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش، ثم يتوالى عليها حتى تعيدها كالهباء المنبث، فذلك هو النسف، وقوله تعالى: "فيذرها" يحتمل أن يريد مواضعها، ويحتمل أن يريد ذلك التراب الذي نسفه; لأنه إنما يقع على الأرض باعتدال حتى تكون الأرض كلها مستوية. و "القاع": المستوي من الأرض المعتدل الذي لا نشز فيه، ومنه قول ضرار بن الخطاب :


لتكونن بالبطاح قريش بقعة القاع في أكف الإماء.

و"الصفصف" نحوه في المعنى.

و "العوج" ما يعتري اعتدال الأرض من الأخذ يمنة ويسرة بحسب النشز من جبل وظرب وكدية ونحوه، و "الأمت": ما يعتري الأرض من ارتفاع وانخفاض، يقال: "مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا"، فكأن "الأمت" في الآية العوج في السماء تجاه الهواء، و "العوج" في الآية مختص بالخفض، وفي هذا نظر.

[ ص: 134 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية