الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 182 ] قوله تعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا

                                                                                                                                                                                                                                      ; بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه إذا أنعم على الإنسان بالصحة والعافية والرزق أعرض عن ذكر الله وطاعته ، ونأى بجانبه ، أي تباعد عن طاعة ربه ، فلم يمتثل أمره ، ولم يجتنب نهيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : أعرض عن ذكر الله كأنه مستغن عنه ، مستبد بنفسه ونأى بجانبه [ 17 \ 83 ] تأكيد للإعراض ; لأن الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه . والنأي بالجانب : أن يلوي عنه عطفه ، ويوليه ظهره ، وأراد الاستكبار ; لأن ذلك من عادة المستكبرين . واليئوس : شديد اليأس ، أي القنوط من رحمة الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه ، كقوله " في سورة هود " ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور [ 11 \ 9 - 10 ] وقوله في " آخر فصلت " : لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض [ 41 \ 49 - 51 ] ، وقوله : " في سورة الروم " : وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون [ 30 \ 33 ] ، وقوله فيها أيضا : وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون [ 30 \ 36 ] ، وقوله " في سورة يونس " : وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه الآية [ 10 \ 12 ] ، وقوله " في سورة الزمر " : وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله الآية [ 10 \ 12 ] ، وقوله فيها أيضا : فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون [ 39 \ 49 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد استثنى الله من هذه الصفات عباده المؤمنين في قوله " في سورة هود " : إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير [ 11 \ 11 ] كما تقدم [ ص: 183 ] إيضاحه . وقرأ ابن ذكوان " وناء " كجاء ، وهو بمعنى نأى ; كقولهم : راء ، في : رأى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية