الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          926 مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا يحل قتل نسائهم ولا قتل من لم يبلغ منهم ، إلا أن يقاتل أحد ممن ذكرنا فلا يكون للمسلم منجى منه إلا بقتله فله قتله حينئذ .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق البخاري نا أحمد بن يونس نا الليث هو ابن سعد - عن نافع أن [ ص: 348 ] ابن عمر أخبره " أن [ امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان " .

                                                                                                                                                                                          927 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          فإن أصيبوا في البيات أو في اختلاط الملحمة عن غير قصد فلا حرج في ذلك .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان نا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من ذراريهم ونسائهم ؟ فقال : هم من آبائهم } .

                                                                                                                                                                                          928 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز قتل كل من عدا من ذكرنا من المشركين من مقاتل ، أو غير مقاتل ، أو تاجر ، أو أجير - وهو العسيف - أو شيخ كبير كان ذا رأي ، أو لم يكن ، أو فلاح ، أو أسقف ، أو قسيس ، أو راهب ، أو أعمى ، أو مقعد لا تحاش أحدا .

                                                                                                                                                                                          وجائز استبقاؤهم أيضا قال الله - تعالى - : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } فعم - عز وجل - كل مشرك بالقتل إلا أن يسلم .

                                                                                                                                                                                          وقال قوم : لا يقتل أحد ممن ذكرنا ، واحتجوا بخبر رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة نا المغيرة عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع قال { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل : أدرك خالدا وقل له : لا تقتلن ذرية ، ولا عسيفا } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان عن عبد الله بن ذكوان عن المرقع بن صيفي عن عمه حنظلة الكاتب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تقتلوا الذرية ولا عسيفا } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا الحسن بن صالح بن حيي عن خالد بن الفرز { عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : انطلقوا باسم الله وفي سبيل الله تقاتلون عدو الله لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا امرأة } [ ص: 349 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا حميد عن شيخ من أهل المدينة مولى لبني عبد الأشهل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال : لا تقتلوا أصحاب الصوامع } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق القعنبي نا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تقتلوا أصحاب الصوامع } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا عبيد الله بن عمر قال { : كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقتلوا صغيرا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا } .

                                                                                                                                                                                          وعن حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العسفاء والوصفاء } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق قيس بن الربيع عن عمر مولى عنبسة عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقتل شيخ كبير أو يعقر شجر إلا شجر يضر بهم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأحوص عن راشد بن سعد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الشيخ الذي لا حراك به } .

                                                                                                                                                                                          وذكروا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأمير له : لا تقتلن امرأة ، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، إنك ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله فدعهم وما حبسوا أنفسهم له ، وستمر على قوم قد فحصوا من أوساط رءوسهم وتركوا فيها من شعورهم أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف .

                                                                                                                                                                                          وعن جابر بن عبد الله قال : كانوا لا يقتلون تجار المشركين وقالوا : إنما نقتل من قاتل - وهؤلاء لا يقاتلون . هذا كل ما شغبوا به ، وكل ذلك لا يصح .

                                                                                                                                                                                          أما حديث المرقع فالمرقع مجهول . وأما حديث ابن عباس فعن شيخ مدني لم يسم ، وقد سماه بعضهم فذكر إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف . [ ص: 350 ] والخبران الآخران ، مرسلان . وكذلك حديث راشد مرسل ولا حجة في مرسل . وأما حديث أنس فعن خالد بن الفرز وهو مجهول . وحديث حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه - وهذا عجب جدا وأعجب منه أن يترك له القرآن وأما حديث قيس بن الربيع فليس قيس بالقوي ، ولا عمر مولى عنبسة معروفا ، وعلي بن الحسين لم يولد إلا بعد موت جده رضي الله عنهم ، فسقط كل ما موهوا به .

                                                                                                                                                                                          وأما الرواية عن أبي بكر فمن عجائبهم هذا الخبر نفسه : عن أبي بكر رضي الله عنه فيه جاء نهي أبي بكر رضي الله عنه عن عقر شيء من الإبل ، أو الشاة إلا لمأكلة .

                                                                                                                                                                                          وفيه جاء : أن لا يقطع الشجر ولا يغرق النحل - فخالفوه كما اشتهوا حيث لا يحل خلافه ; لأن السنة معه ، وحيث لا يعرف له مخالف من الصحابة .

                                                                                                                                                                                          ثم احتجوا به حيث خالفه غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا عجب جدا في خبر واحد وأما قول جابر لم يكونوا يقتلون تجار المشركين فلا حجة لهم فيه ; لأنه لم يقل : إن تركهم قتلهم كان في دار الحرب وإنما أخبر عن جملة أمرهم .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح مبينا عنه لما كان لهم فيه متعلق ; لأنه ليس فيه نهي عن قتلهم ، وإنما فيه اختيارهم لتركهم فقط .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن الحسن ، ومجاهد ، والضحاك النهي عن قتل الشيخ الكبير ولا يصح عن مجاهد ، والضحاك ; لأنه من طريق جويبر ، وليث بن أبي سليم وكذلك أيضا هذا الخبر عن أبي بكر لا يصح ; لأنه عن يحيى بن سعيد ، وعطاء ، وثابت بن الحجاج ، وكلهم لم يولد إلا بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بدهر . ومن طريق فيها الحجاج بن أرطاة - وهو هالك - ولو شئنا أن نحتج بخبر الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبخبر الحجاج مسندا { اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا [ ص: 351 ] شرخهم } لكنا أدخل منهم في الإيهام ; ولكن يعيذنا الله - عز وجل - من أن نحتج بما لا نراه صحيحا ، وفي القرآن وصحيح السنن كفاية .

                                                                                                                                                                                          وأما قولهم : إنما نقتل من قاتل ، فباطل ; بل نقتل كل من يدعى إلى الإسلام منهم حتى يؤمن أو يؤدي الجزية إن كان كتابيا كما أمر الله - تعالى - في القرآن لا كما أمر أبو حنيفة إذ يقول : إن ارتدت المرأة لم تقتل ، فإن قتلت قتلت ، وإن سب المشركون أهل الذمة النبي صلى الله عليه وسلم تركوا ، وسبهم له حتى يشفوا صدورهم ويخزى المسلمون بذلك . تبا لهذا القول وقائله .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق وكيع نا سفيان نا عبد الملك بن عمير القرظي نا { عطية القرظي قال : عرضت يوم قريظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خلي سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت } .

                                                                                                                                                                                          فهذا عموم من النبي صلى الله عليه وسلم لم يستبق منهم عسيفا ، ولا تاجرا ، ولا فلاحا ، ولا شيخا كبيرا ، وهذا إجماع صحيح منهم رضي الله عنهم متيقن ; لأنهم في عرض من أعراض المدينة لم يخف ذلك على أحد من أهلها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة : أخبرنا أيوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد : أن لا يجلبوا إلينا من العلوج أحدا ، اقتلوهم ، ولا تقتلوا من جرت عليهم المواسي ولا تقتلوا صبيا ، ولا امرأة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن نمير نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : كتب عمر إلى الأجناد : لا تقتلوا امرأة ، ولا صبيا ، وأن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي .

                                                                                                                                                                                          فهذا عمر رضي الله عنه لم يستثن شيخا ، ولا راهبا ، ولا عسيفا ، ولا أحدا إلا النساء ، والصبيان فقط ; ولا يصح عن أحد من الصحابة خلافه - وقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ هرم قد اهتز عقله فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لأنه كان ذا رأي ؟ فقلنا لهم : ومن ذا الذي قسم لكم ذا الرأي من غيره ، فلا سمعا له ولا طاعة - ومثل هذه التقاسيم لا تؤخذ إلا من القرآن ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم وبالله - تعالى - نتأيد .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية