الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: قال فما خطبك يا سامري الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 422 ] (

                                                                                                                                                                                                                                        آذنت جارتي بوشك رحيل بكرا جاهرت بخطب جليل



                                                                                                                                                                                                                                        وفي السامري قولان: أحدهما أنه كان رجلا من أهل كرمان ، تبع موسى من بني إسرائيل ، قاله الطبري ، وكان اسمه موسى بن ظفر. وفي تسميته بالسامري قولان: أحدهما: أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لأنه كان من قرية تسمى سامرة. قال بصرت بما لم يبصروا به فيه وجهان: أحدهما: نظرت ما لم ينظروه ، قاله أبو عبيدة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بما لم يفطنوا له ، قاله مقاتل. وفي بصرت وأبصرت وجهان: أحدهما: أن معناهما واحد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن معناهما مختلف ، فأبصرت بمعنى نظرت ، وبصرت بمعنى فطنت. فقبضت قبضة قرأه الجماعة بالضاد المعجمة ، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة ، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة ، بجميع الكف ، وبصاد غير معجمة: بأطراف الأصابع من أثر الرسول فيه قولان: أحدهما: أن الرسول جبريل.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 423 ] وفي معرفته قولان: أحدهما: لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن حين ولدته أمه [جعلته في غار]- حذرا عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيرا لأجل البلوى ، فعرفه حين كبر ، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه فنبذتها يعني فألقيتها ، وفيه وجهان: أحدهما: أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره ، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل. والقول الثاني: أن الرسول موسى ، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها ، وأن قوله: فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته ، ثم اتخذت العجل جسدا له خوار. وكذلك سولت لي نفسي فيه وجهان: أحدهما: حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: زينت لي نفسي ، قاله الأخفش. قوله عز وجل: قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس فيه قولان: أحدهما: أن قوله: فاذهب وعيد من موسى ، ولذا [فإن] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع ، لا يجد أحدا من الناس يمسه ، حتى صار كالقائل لا مساس ، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة:


                                                                                                                                                                                                                                        حمال رايات بها قنعاسا     حتى يقول الأزد لا مساسا



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 424 ] القول الثاني: أن هذا القول من موسى [كان] تحريما للسامري ، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه ، فكان لا يمس ولا يمس ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        تميم كرهط السامري وقوله     ألا لا يريد السامري مساسا



                                                                                                                                                                                                                                        أي لا يخالطون ولا يخالطون. وإن لك موعدا لن تخلفه يحتمل وجهين: أحدهما: في الإمهال لن يقدم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: في العذاب لن يؤخر. قوله عز وجل: وسع كل شيء علما فيه وجهان: أحدهما: أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء من علمه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: وسع كل شيء علما حتى لم يخل شيء عن علمه به.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية