الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من قال لامرأته أنت علي حرام وقال الحسن نيته وقال أهل العلم إذا طلق ثلاثا فقد حرمت عليه فسموه حراما بالطلاق والفراق وليس هذا كالذي يحرم الطعام لأنه لا يقال لطعام الحل حرام ويقال للمطلقة حرام وقال في الطلاق ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال الليث حدثني نافع قال كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا قال لو طلقت مرة أو مرتين فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا فإن طلقتها ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غيرك

                                                                                                                                                                                                        4964 حدثنا محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره فطلقها وكانت معه مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده فلم يلبث أن طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي طلقني وإني تزوجت زوجا غيره فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة فلم يقربني إلا هنة واحدة لم يصل مني إلى شيء فأحل لزوجي الأول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو الخلية أو البرية أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته ) هكذا بت المصنف الحكم في هذه المسألة ، فاقتضى أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق أو ما تصرف منه ، وهو قول الشافعي في القديم ، ونص في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق . وحجة القديم أنه ورد في القرآن لفظ الفراق والسراح لغير الطلاق بخلاف الطلاق فإنه لم يرد إلا للطلاق ، وقد رجح جماعة القديم كالطبري في " العدة " والمحاملي وغيرهما ، وهو قول الحنفية ، واختاره القاضي عبد الوهاب من المالكية ، وحكى الدارمي عن ابن خير أن من لم يعرف إلا الطلاق فهو صريح في حقه فقط ، وهو تفصيل قوي ، ونحوه للروياني فإنه قال : لو قال عربي فارقتك ولم يعرف أنها صريحة لا يكون صريحا في حقه . واتفقوا على أن لفظ الطلاق وما تصرف منه صريح ، لكن أخرج أبو عبيد في " غريب الحديث " من طريق عبد الله بن شهاب الخولاني عن عمر أنه " رفع إليه رجل قالت له امرأته . شبهني ، فقال : كأنك ظبية ، قالت : لا . قال : كأنك حمامة قالت : لا أرضى حتى تقول أنت خلية طالق ، فقالها ، فقال له عمر : خذ بيدها فهي امرأتك " قال أبو عبيد قوله خلية طالق أي ناقة كانت معقولة ثم أطلقت من عقالها وخلي عنها فتسمى خلية لأنها خليت عن العقال ; وطالق لأنها طلقت منه ، فأراد الرجل أنها تشبه الناقة ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلا ، فأسقط عنه عمر الطلاق . قال أبو عبيد : وهذا أصل لكل من تكلم بشيء من ألفاظ الطلاق ولم يرد الفراق بل أراد غيره فالقول قوله فيه فيما بينه وبين الله تعالى اهـ . وإلى هذا ذهب الجمهور ، لكن المشكل من قصة عمر كونه رفع إليه وهو حاكم ، فإن كان أجراه مجرى الفتيا ولم يكن هناك حكم فيوافق وإلا فهو من النوادر . [ ص: 283 ] وقد نقل الخطابي الإجماع على خلافه ، لكن أثبت غيره الخلاف وعزاه لداود . وفي البويطي ما يقتضيه ، وحكاه الروياني ، ولكن أوله الجمهور وشرطوا قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ليخرج العجمي مثلا إذا لقن كلمة الطلاق فقالها وهو لا يعرف معناها أو العربي بالعكس ، وشرطوا مع النطق بلفظ الطلاق تعمد ذلك احترازا عما يسبق به اللسان والاختيار ليخرج المكره ، لكن إن أكره فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الأصح .

                                                                                                                                                                                                        قوله وقول الله تعالى : وسرحوهن سراحا جميلا ) كأنه يشير إلى أن في هذه الآية لفظ التسريح بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ثم يسرح ، وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال : وأسرحكن ) يعني قوله تعالى ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح في هذه الآية محتمل للتطليق والإرسال ، وإذا كانت صالحة للأمرين انتفى أن تكون صريحة في الطلاق ، وذلك راجع إلى الاختلاف فيما خير به النبي صلى الله عليه وسلم نساءه : هل كان في الطلاق والإقامة ، فإذا اختارت نفسها طلقت وإن اختارت الإقامة لم تطلق كما تقدم تقريره في الباب قبله ؟ أو كان في التخيير بين الدنيا والآخرة ، فمن اختارت الدنيا طلقها ثم متعها ثم سرحها ، ومن اختارت الآخرة أقرها في عصمته ؟

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) تقدم في الباب قبله بيان الاختلاف في المراد بالتسريح هنا وأن الراجح أن المراد به التطليق .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال : أو فارقوهن بمعروف ) يريد أن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها في البقرة بلفظ السراح ; والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق ، فليس المراد به الطلاق بل الإرسال . وقد اختلف السلف قديما وحديثا في هذه المسألة : فجاء عن علي بأسانيد يعضد بعضها بعضا وأخرجها ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما قال " البرية والخلية والبائن والحرام والبت ثلاث ثلاث " وبه قال مالك وابن أبي ليلى والأوزاعي ، لكن قال في الخلية إنها واحدة رجعية ، ونقله عن الزهري وعن زيد بن ثابت في البرية وألبتة والحرام ثلاث ثلاث ، وعن ابن عمر في الخلية والبرية ثلاث وبه قال قتادة ، ومثله عن الزهري في البرية فقط ، واحتج بعض المالكية بأن قول الرجل لامرأته أنت بائن وبتة وبتلة وخلية وبرية يتضمن إيقاع الطلاق لأن معناه أنت طالق مني طلاقا تبينين به مني ، أو تبت أي يقطع عصمتك مني ، والبتلة بمعناه ، أو تخلين به من زوجيتي أو تبرين منها ، قال : وهذا لا يكون في المدخول بها إلا ثلاثا إذا لم يكن هناك خلع ، وتعقب بأن الحمل على ذلك ليس صريحا والعصمة الثابتة لا ترفع بالاحتمال ، وبأن من يقول إن من قال لزوجته أنت طالق طلقة بائنة إذا لم يكن هناك خلع أنها تقع رجعية مع التصريح كيف لا يقول يلغو مع التقدير وبأن كل لفظة من المذكورات إذا قصد بها الطلاق ووقع وانقضت العدة أنه يتم المعنى المذكور ، فلم ينحصر الأمر فيما ذكروا وإنما النظر عند الإطلاق ، فالذي يترجح أن الألفاظ المذكورات وما في معناها كنايات لا يقع الطلاق بها إلا مع القصد إليه ، وضابط ذلك أن كل كلام أفهم الفرقة ولو مع دقته يقع به الطلاق مع القصد ، فأما إذا لم يفهم الفرقة من اللفظ فلا يقع الطلاق ولو قصد إليه ، كما لو قال كلي أو اشربي أو نحو ذلك ، وهذا تحرير مذهب الشافعي في ذلك ، وقاله قبله الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم ، وبهذا قال الأوزاعي وأصحاب الرأي ، واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي هريرة الآتي قريبا [ ص: 284 ] تجاوز الله عن أمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم فإنه يدل على أن النية وحدها لا تؤثر إذا تجردت عن الكلام أو الفعل . وقال مالك : إذا خاطبها بأي لفظ كان وقصد الطلاق طلقت حتى لو قال يا فلانة يريد به الطلاق ، وبه قال الحسن بن صالح بن حي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقالت عائشة : قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ) هذا التعليق طرف من حديث التخيير ، وقد تقدم عن عائشة في آخر حديث عمر في " باب موعظة الرجل ابنته " من كتاب النكاح ، وبيان الاختلاف على الزهري في إسناده ، وأرادت عائشة بالفراق هنا الطلاق جزما ، ولا نزاع في الحمل عليه إذا قصد إليه ، وإنما النزاع في الإطلاق إذا تقدم [1] .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب من قال لامرأته : أنت علي حرام ، وقال الحسن : نيته ) أي يحمل على نيته . وهذا التعليق وصله البيهقي ، ووقع لنا عاليا في " جزء محمد بن عبد الله الأنصاري " شيخ البخاري قال " حدثنا الأشعث عن الحسن في الحرام إن نوى يمينا فيمين ، وإن طلاقا فطلاق " وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن ، وبهذا قال النخعي والشافعي وإسحاق ، وروي نحوه عن ابن مسعود وابن عمر وطاوس ، وبه قال النووي لكن قال : إن نوى واحدة فهي بائن . وقال الحنفية مثله لكن قالوا : إن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة ، وإن لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير موليا ، وهو عجيب والأول أعجب . وقال الأوزاعي وأبو ثور : يمين الحرام تكفر ، وروي نحوه عن أبي بكر وعمر وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ، واحتج أبو ثور بظاهر قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك وسيأتي بيانه في الباب الذي بعده . وقال أبو قلابة وسعيد بن جبير : من قال لامرأته أنت علي حرام لزمته كفارة الظهار . ومثله عن أحمد . وقال الطحاوي : يحتمل أنهم أرادوا أن من أراد به الظهار كان مظاهرا ، وإن لم ينوه كان عليه كفارة يمين مغلظة وهي كفارة الظهار ، لا أنه يصير مظاهرا ظهارا حقيقة ، وفيه بعد . وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يكون مظاهرا ولو أراده . وروي عن علي وزيد بن ثابت وابن عمر والحكم وابن أبي ليلى : في الحرام ثلاث تطليقات ولا يسأل عن نيته ، وبه قال مالك ، وعن مسروق والشعبي وربيعة : لا شيء فيه ، وبه قال أصبغ من المالكية . وفي المسألة اختلاف كثير عن السلف بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا ، وزاد غيره عليها . [ ص: 285 ] وفي مذهب مالك فيها تفاصيل أيضا يطول استيعابها . قال القرطبي : قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة ، فتجاذبها العلماء ، فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال لا يلزمه شيء ، ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم بعد قوله تعالى ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معنى اليمين التحريم فوقعت الكفارة على المعنى ، ومن قال تقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة تحرم الوطء ما لم يرتجعها ، ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ، ومن قال ثلاث حمل اللفظ على منتهى وجوهه ، ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال أهل العلم : إذا طلق ثلاثا فقد حرمت عليه فسموه حراما بالطلاق والفراق ) أي فلا بد أن يصرح القائل بالطلاق أو يقصد إليه ، فلو أطلق أو نوى غير الطلاق فهو محل النظر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وليس هذا كالذي يحرم الطعام ، لأنه لا يقال للطعام الحل حرام ويقال للمطلقة حرام ، وقال في الطلاق ثلاثا : لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) قال المهلب : من نعم الله على هذه الأمة فيما خفف عنهم أن من قبلهم كانوا إذا حرموا على أنفسهم شيئا حرم عليهم كما وقع ليعقوب عليه السلام ، فخفف الله ذلك عن هذه الأمة ، ونهاهم أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحل لهم فقال تعالى ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم اهـ . وأظن البخاري أشار إلى ما تقدم عن أصبغ وغيره ممن سوى بين الزوجة وبين الطعام والشراب كما تقدم نقله عنهم ، فبين أن الشيئين وإن استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى ، فالزوجة إذا حرمها الرجل على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت ، والطعام والشراب إذا حرمه على نفسه لم يحرم ، ولهذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج لقوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وورد عن ابن عباس ما يؤيد ذلك ، فأخرج يزيد بن هارون في كتاب النكاح ومن طريقه البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك " أن أعرابيا أتى ابن عباس فقال : إني جعلت امرأتي حراما ، قال : ليست عليك بحرام . قال : أرأيت قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه الآية ؟ فقال ابن عباس : إن إسرائيل كان به عرق النسا فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيء ، وليست بحرام يعني على هذه الأمة " . وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا ، فقال الشافعي : إن حرم زوجته أو أمته ولم يقصد الطلاق ولا الظهار ولا العتق فعليه كفارة يمين ، وإن حرم طعاما أو شرابا فلغو . وقال أحمد : عليه في الجميع كفارة يمين . وتقدم بيان بقية الاختلاف في الباب الذي قبله . قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند رجاله ثقات من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق " عن عائشة قالت : آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم ، فجعل الحرام حلالا ، وجعل في اليمين كفارة " قال فإن في هذا الخبر تقوية لقول من قال إن لفظ الحرام لا يكون بإطلاقه طلاقا ولا ظهارا ولا يمينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال الليث عن نافع قال : كان ابن عمر إذا سئل عمن طلق ثلاثا قال : لو طلقت مرة أو مرتين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا ، فإن طلقها ثلاثا حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ) كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني " فإن طلقها وحرمت عليه " بضمير الغائب في الموضعين ، وهذا الحديث مختصر من قصة تطليق ابن عمر امرأته وقد سبق شرحه في أول الطلاق ، وظن ابن التين أن هذا جملة الخبر [ ص: 286 ] فاستشكل على مذهب مالك قولهم إن الجمع بين تطليقتين بدعة ، قال والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالبدعة ، وجوابه أن الإشارة في قول ابن عمر " فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك " إلى ما أمره من ارتجاع امرأته في آخر الحديث ، ولم يرد ابن عمر أنه أمره أن يطلق امرأته مرة أو مرتين وإنما هو كلام ابن عمر ، ففصل لسائله حال المطلق . وقد روينا الحديث المذكور من طريق الليث التي علقها البخاري مطولا موصولا عاليا في " جزء أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي " رواية أبي القاسم البغوي عنه عن الليث ، وفي أوله قصة ابن عمر في طلاق امرأته ، وبعده " قال نافع وكان ابن عمر " إلخ وأخرج مسلم الحديث من طريق الليث لكن ليس بتمامه ، وقال الكرماني : قوله " لو طلقت " جزاؤه محذوف تقديره لكان خيرا أو هو للتمني فلا يحتاج إلى جواب وليس كما قال بل الجواب : لكان لك الرجعة لقوله " فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا " والتقدير فإن كان في طهر لم يجامعها فيه كان طلاق سنة ، وإن وقع في الحيض كان طلاق بدعة ، ومطلق البدعة ينبغي أن يبادر إلى الرجعة . ولهذا قال " فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا " أي بالمراجعة لما طلقت الحائض ، وقسيم ذلك قوله " وإن طلقت ثلاثا " وكأن ابن عمر ألحق الجمع بين المرتين بالواحدة فسوى بينهما ، وإلا فالذي وقع منه إنما هـو واحدة كما تقدم بيانه صريحا هـناك وأراد البخاري بإيراد هذا هـنا الاستشهاد بقول ابن عمر " حرمت عليك " فسماها حراما بالتطليق ثلاثا كأنه يريد أنها لا تصير حراما بمجرد قوله أنت علي حرام حتى يريد به الطلاق أو يطلقها بائنا ، وخفي هذا على الشيخ مغلطاي ومن تبعه فنفوا مناسبة هذا الحديث للترجمة ، ولكن عرج شيخنا ابن الملقن تلويحا على شيء مما أشرت إليه .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة لقوله فيه " لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك " وسيأتي شرحه قريبا . وقوله في هذه الرواية " فلم يقربني إلا هـنة واحدة " هو بلفظ حرف الاستثناء ، والتي بعده بفتح الهاء وتخفيف النون ، وحكى الهروي تشديدها وقد أنكره الأزهري قبله ، وقال الخليل : هي كلمة يكنى بها عن الشيء يستحيا من ذكره باسمه ، قال ابن التين معناه لم يطأني إلا مرة واحدة يقال هن امرأته إذا غشيها . ونقل الكرماني أنه في أكثر النسخ بموحدة ثقيلة أي مرة ، والذي ذكر صاحب " المشارق " أن الذي رواه بالموحدة هو ابن السكن قال : وعند الكافة بالنون ، وحكى في معنى هبة بالموحدة ما تقدم وهو أن المراد بها مرة واحدة ، قال وقيل المراد بالهبة الوقعة يقال حدر هبة السيف أي وقعته ، وقيل هي من هب إذا احتاج إلى الجماع يقال هب التيس يهب هبيبا .

                                                                                                                                                                                                        " تنبيه " :

                                                                                                                                                                                                        زعم ابن بطال أن البخاري يرى أن التحريم يتنزل منزلة الطلاق الثلاث ، وشرح كلامه على ذلك فقال بعد أن ساق الاختلاف في المسألة : وفي قول مسروق ما أبالي حرمت امرأتي أو جفنة ثريد ، وقول الشعبي أنت علي حرام أهون من فعلي هذا القول شذوذ ، وعليه رد البخاري ، قال واحتج من ذهب أن من حرم زوجته أنها ثلاث تطليقات بالإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه ، قال فلما كانت الثلاث تحرمها كان التحريم ثلاثا ، قال وإلى هذه الحجة أشار البخاري بإيراد حديث رفاعة لأنه طلق امرأته ثلاثا فلم تحل له مراجعتها إلا بعد زوج ، فكذلك من حرم على نفسه امرأته فهو كمن طلقها اهـ . وفيما قاله نظر ، والذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل ، ولذلك صدر الباب بقول الحسن البصري ، وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره ، وحاشا البخاري أن يستدل بكون الثلاث تحرم أن كل تحريم له حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر ، لأن الطلقة الواحدة تحرم غير المدخول بها مطلقا والبائن تحرم المدخول بها إلا بعد عقد جديد ، وكذلك الرجعية إذا انقضت عدتها فلم ينحصر التحريم في الثلاث ، وأيضا فالتحريم أعم من التطليق ثلاثا فكيف يستدل بالأعم على الأخص ؟ ومما يؤيد ما اخترناه أولا تعقيب البخاري [ ص: 287 ] الباب بترجمة " لم تحرم ما أحل الله لك " وساق فيه قول ابن عباس " إذا حرم امرأته فليس بشيء " كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية