الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5782 [ ص: 516 ] 83 - باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

                                                                                                                                                                                                                              وقال معاوية: لا حلم إلا بتجربة.

                                                                                                                                                                                                                              6133 - حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين". [ مسلم: 2998 - فتح: 10 \ 529].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".

                                                                                                                                                                                                                              أثر معاوية أخرجه ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه قال: (قال) معاوية. فذكره . والمراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها، وما يئول إليه أمر من ترك الحلم، وركب السفه والسباب ممن سفه والانتصار منه، آثر الحلم، وصبر على قليل من الأذى; ليدفع به ما هو أكبر منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي: معناه أن المرء لا يوصف بالحلم ولا يترقى إلى درجته حتى يركب الأمور ويجربها فيعثر مرة بعد أخرى، فيعتبر بها ويتبين مواضع الخطأ; فيجتنبها. وقال ضمرة: الحلم أرفع من العقل; لأن الله تعالى تسمى به .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الحديث: فلفظه خبر، ومعناه الأمر، يقول: ليكونن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى. وقد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 517 ] يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاها بالحذر. وروي بلفظ النهي بكسر الغين قال: فيتحقق معنى النهي فيه على هذه الرواية .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: وكذا قرأناه. قال: وهذا مثل قديم يمثل به من قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو - عليه السلام - كثيرا ما يتمثل بالأمثال القديمة. وأصل ذلك أن رجلا أدخل يده في جحر فلدغ منه مرة ثانية.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: تأويل هذا الحديث عندنا: أنه ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه لا يعود لمثله. وترجم له في كتاب "الأمثال" باب: المحاذرة للرجل من كل شيء قد ابتلي بمثله مرة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أدب شريف أدب به الشارع أمته، ونبههم كيف يحذرون ما يخافون سوء عاقبته؟!

                                                                                                                                                                                                                              ووقع في ابن بطال أن هذا الكلام مما لم يسبق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مخالف لما أسلفناه، وقاله في أبي عزة الشاعر، وكان أسر يوم بدر فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمن عليه، وذكر فقرا فمن عليه، وأخذ عليه عهدا ألا يحرض عليه ولا يهجوه. ففعل، ثم رجع إلى مكة فاستهواه صفوان بن أمية، وضمن له القيام بعياله، فخرج مع قريش، وحرض عليه فأسر، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المن، فقال: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت من محمد مرتين" ثم أمر به فقتل .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 518 ] (فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              استنبط بعضهم من هذا الحديث أن المرء إذا أذنب وعوقب عليه أنه لا يعاقب عليه ثانيا في الآخرة، وهو حسن) .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية