الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أمر الله تعالى موسى - عليه السلام - بأن يجيب جوابا عمليا، والعمل يبهت الظالمين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونـزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين .

                                                          معجزتان من المعجزات التسع التي أيد الله تعالى بها موسى أمام فرعون الطاغية - لعنه الله تعالى، ولعن كل من حاكاه من الطغاة - أما المعجزة الأولى فإنها العصا، ألقاها على الأرض، وهي في يده عصا، فإذا هي على الأرض حية تسعى، أذهلت وأفزعت، وأثارت العجب.

                                                          هذه هي الأولى، وقد جاءت على الصورة من انقلاب العصا إلى ثعبان واضح مبين، وذلك في مظهره قريب من السحر، وقد كان أهل مصر اشتهروا بالسحر، فالسحرة علماؤهم وكهنتهم، وما كان فرعون يحكمهم إلا بهذه الأوهام، وكذلك تجد كل الطغاة الذين حاكوه - وخصوصا في مصر - يستجلبون كل من يتعاطون السحر، ويقربهم زلفى إليهم.

                                                          وعلم السحرة - كما سيأتي - أن ما جاءهم به ليس من السحر في شيء، وإن بدا أمام الناظرين في صورته.

                                                          الآية الثانية أو المعجزة الثانية: أنه أدخل يده في جيبه، فخرجت من الجيب ساطعة البياض لها نور، ولها لمعان من غير سوء أي مرض، كما قال تعالى: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ولقد روي عن ابن عباس أنه قال: "كان ليده نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض" أفزع فرعون هذا، ولم يتكلم، ولكن تكلمت الحاشية متحدية الحق والرسالة؛ تأكيدا لولائهم، وتشجيعا على الإنكار، وما كان لهم أن يتكلموا عن بياض اليد; لأنه فوق ما يستطيعون وما يعلمون، وحاولوا إبطال الأولى; لأنها تتعلق بنوع علم [ ص: 2922 ] عندهم، والعاجز عن رد الحجة يختار ما يحسبه أسهل في الاستدلال عليه فيتكلم فيه؛ ليشغل الناس عن الآخر، وما كان كلام الحاشية إلا تشجيعا على الإنكار; لأنهم طوعوا أنفسهم على العيش بجوار فرعون، وقد رأوا دعوة موسى اعتداء على ألوهية فرعون في زعمهم، فسبقوه إلى الإنكار مرضاة له، حتى رموه في البحر.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية