الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5788 [ ص: 526 ] 86 - باب: صنع الطعام والتكلف للضيف

                                                                                                                                                                                                                              6139 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: لها ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما فقال: كل، فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. قال: فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "صدق سلمان".

                                                                                                                                                                                                                              أبو جحيفة وهب السوائي، يقال وهب الخير. [انظر: 1968 - فتح: 10 \ 534].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي جحيفة: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبي الدرداء، إلى أن قال: فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث بطوله سلف في الصوم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في التبويب: (صنع هو بضم الصاد) (مصدر، وضبطه الدمياطي بخطه بالفتح) .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] قوله: (فرأى أم الدرداء مبتذلة ) أي: تمتهن نفسها للخدمة وتلبس ثياب بذلتها.

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر الحديث أنه أفطر بعد أن كان صائما، وهو مذهب الشافعي ، وخالف فيه مالك ، وهو مذهب ابن عمر.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والتكلف للضيف لمن قدر على ذلك من سنن المرسلين وآداب النبيين (صلوات الله وسلامه [عليهم] أجمعين) ، ألا ترى أن إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - ذبح لضيفه عجلا سمينا؟! قال أهل التأويل: كانوا ثلاثة أنفس: جبريل وميكائيل وإسرافيل، فتكلف لهم ذبح عجل وقربه إليهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله - عليه السلام - فيما مضى: "جائزته يوم وليلة" يقتضي (منع) التكلف له يوما وليلة لمن وجد، ولمن لم يكن من أهل الوجود واليسار فليقدم لضيفه ما تيسر عنده ولا يتكلف له ما لا يقدر عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد ورد (بذلك) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، روى الطبري من حديث خراش ثنا مسلم بن قتيبة، عن قيس بن الربيع، عن عثمان بن سابور، عن شقيق بن سلمة قال: دخلت على سلمان فقرب إلي خبز شعير وملحا وقال: لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتكلف أحدنا ما ليس عنده لتكلفت لك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] فدل أن المراد إذا أضافه ضيف أن الحق عليه أن يأتيه من الطعام ما حضره وألا يتكلف له ما ليس عنده وإن كان ما حضره من ذلك دون ما يراه (المضيف) أهلا; لأن في تكليفه ما ليس عنده (معان) مكروهة:

                                                                                                                                                                                                                              منها: حبس الضيف عن القرى ولعله أن يكون جائعا فيضر به.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أن يكون مستعجلا في سفره فيقطعه عنه بحبسه إياه عن إحضاره ما حضره من الطعام إلى إصلاح ما لم يحضر.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: احتقاره ما عظم الله قدره من الطعام.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: خلافه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإتيان ما قد نهى عنه من التكلف. وروى عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: دخل على جابر بن عبد الله نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرب إليهم (خبزا) وخلا ثم قال: كلوا فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعم الإدام الخل، هلاك بالرجل أن يدخل عليه الرجل من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليه، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري عن ابن سيرين: لا تلزم أخاك بما يشق عليه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 529 ] وفسره الثوري فقال: إنه يحاضر ما عندك ولا تحبسه، فعسى أن يشق ذلك عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي جحيفة: زيارة الرجل الصالح صديقه الملاطف ودخوله داره في غيبته وجلوسه مع أهله.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: شكوى المرأة لزوجها إلى صديقه الملاطف أن يأخذ على يده ويرده عما يضر بأهله.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أنه لا بأس ألا يأكل الضيف حتى يأكل معه رب الدار.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أنه لا بأس أن يفطر رب الدار لضيفه في صيام التطوع.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: كراهية التشدد في العبادة والغلو فيها خشية ما يخاف من عاقبة ذلك، وأن الأفضل في العبادة القصد والتوسط، فهو أحرى للدوام، ألا ترى قوله - عليه السلام - : "صدق سلمان".

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الصلاة آخر الليل أفضل; لأنه وقت (ينزل الله) إلى سماء الدنيا فينادي فيستجيب الدعاء.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية