الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5806 [ ص: 567 ] 94 - باب: ما جاء في زعموا 6158 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر - مولى عمر بن عبيد الله - أن أبا مرة - مولى أم هانئ بنت أبي طالب - أخبره، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، فسلمت عليه، فقال: "من هذه؟". فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال "مرحبا بأم هانئ". فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". قالت أم هانئ: وذاك ضحى. [انظر: 280 - مسلم: 336 - فتح: 10 \ 551]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أم هانئ - رضي الله عنها - . وفيه: زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وزعم زعما، وزعما، ذكر خبرا لا يدرى أحق هو أم باطل، وزعمت غير مزعم أي: قلت غير مقول، وادعيت ما لا يمكن.

                                                                                                                                                                                                                              ذكره صاحب "الأفعال" (وكثر الزعم أيضا بمعنى القول.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "زعم جبريل" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ضمام بن ثعلبة: زعم رسولك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 568 ] وقد أكثر سيبويه في كتابه من قوله: زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها) . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "زعموا بئس مطية الرجل" رواية وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي مسعود أو عن أبي عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومعناه: أن من أكثر من الحديث مما لا يصح عنده ولا يعلم صدقه، لم يؤمن عليه الكذب. وفائدة حديث أم هانئ: أنه - عليه السلام - لم ينكر عليها هذه اللفظة، ولا جعلها كاذبة بذكرها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("مرحبا"): أي: أتيت سعة، وقد يزيدون فيه: وأهلا، أي: أتيت سعة وأهلا استأنس، ولا تستوحش، ورحب به إذا قال له: مرحبا.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (فصلى ثمان ركعات). صوابه: (ثماني) مثل: ثماني حجج [القصص: 27] نبه عليه ابن التين، ولا يسلم له.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: (أجرته) أي: أمنته، ومنه قوله تعالى: وهو يجير ولا يجار عليه [المؤمنون: 88] أي: يؤمن من أخافه غيره، ومن أخافه هو لم يؤمنه أحد. ومعنى: "أجرنا من أجرت": أمنا من أمنت.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أمان المرأة، خلافا لعبد الملك، وعند أبي الفرج أن الإمام يكون مخيرا فيمن أمنته المرأة. وقال ابن القاسم: معنى الحديث أن إجارتها (إجارة) وأن تأمينها يلزم. وقال غيره: قد يكون ما كان من ذلك على وجه النظر ولا يلزم ذلك الإمام .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 569 ] وقيل: إنه تأويل ابن القاسم ونص ابن حبيب أن الإمام مخير بين أن يوفي أمانه أو يرده إلى مأمنه .

                                                                                                                                                                                                                              زاد غير ابن القاسم في "المدونة": إنما كان فعل أم هانئ بعدما برد القتال ونزل الأمان .

                                                                                                                                                                                                                              قال في "النوادر" عن سحنون: إذا أمن رجل بعد توجبه الأسر والقتل لا يحل قتل المؤمن . وعنه في كتاب ابنه: لا تقتل من أمنته، والإمام يرى رأيه فيه . وقال محمد: يسقط عنه القتل. قيل: يريد ولا يسقط الرق. وذكر عن سحنون أيضا أن للإمام رد مأمنته والمن عليه.

                                                                                                                                                                                                                              ووجهه أن حق المسلمين تعلق بهم فليس لأحد إبطاله، وقيل: كانت أم هانئ أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة . والله أعلم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية