الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

تقول طائفة من أهل الكلام : إن الحركة وأنواعها كالمجيء والإتيان ، وكالنزول والهبوط ، وكالصعود والعروج ، لا تصح إلا على الأجسام دون الأعراض ، فإن العرض لا يقوم بنفسه ، فلو انتقل لفارق محله وقام بنفسه .

قلت : ليس الأمر كذلك ، بل حركة كل شيء بحسبه ، وكذلك إتيانه ونزوله . فكما أن الطعم واللون والريح والقدرة والصحة وغير ذلك إنما وجودها بغيرها ، وذاتها لا تكون إلا متعلقة بغيرها ، فكذلك ما يعرض لها من الأحوال والحركات هو مشروط بمحلها ، فإذا قيل : «جاءته العافية والصحة » فهو مجيء الأجزاء البدنية الحاملة للصحة ، وتلك الأجزاء هي الحاملة للصحة ، ومجيئها فيه حركة وانتقال . وكذلك «جاء النصر والظفر » هو مجيء الأعيان الحاملة للقوة والظهور التي بها اندفع العدو وضرره . فلا بد من حركة فيها زوال أحد الضدين حتى يجيء الآخر .

ثم هذه الحركة والمجيء متضمنة للظهور والوضوح والتجلي ، لا كما قال بعضهم : إنها مجرد الظهور .

وكذلك إذا قيل : «جاء الشتاء » و «جاء الصيف » و «جاء الليل [ ص: 33 ] والنهار » فهي مجيء أعراض وصفات هي الحرارة والبرودة والضياء والظلمة ، وهي حركتها وانتقالها . لكن قد يكون ذلك بانتقالها من موضع آخر ، وقد يكون بحدوثها وبكونها في موضعها ، وهذان النوعان في الأجسام . كما يقال : جاءني الولد وجاءت الثمار وقد أتت الفاكهة ، لا يعنى بذلك أنها كانت موجودة في مكان آخر فانتقلت عنه ، وإنما يعنى حدوثها ووجودها ، وهو بحركة ، لكنها حركة ابتدائية .

فالمقصود أن كل ما يقال في مجيء الأعيان والأجسام من الأنواع يقال في مجيء الصفات والأعراض ، لكن لما كان لا بد لهذه من محل في ذاتها ، فكذلك في أحوالها ، بخلاف الأجسام ، نعم الحيز للجسم كالمحل للعرض ، فالجسم لا يجيء إلا بحيز ، والعرض لا يجيء إلا بمحل . والله أعلم . [ ص: 34 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية