الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              وهذا يدل على أن الاشتراك في قتل الصيد المحرم يوجب على المشتركين كفارة واحدة لقضاء عمر وعبد الرحمن بن عوف بشاة واحدة على رجلين ، وبه قال الشافعي .

                                                                                                                                                                                                              وقال مالك وأبو حنيفة : على كل واحد منهم جزاء كامل ، وهي : المسألة السادسة والعشرون : وهي تنبني على أصلين : أحدهما : لغوي قرآني ، والآخر معنوي . أما اللغوي القرآني : فإن كل واحد من القاتلين للصيد قاتل نفسا على الكمال [ ص: 189 ] والتمام ، بدليل قتل الجماعة بالواحد ; لأن كل واحد متلف نفسا على الكمال ومذهب روحا على التمام . ولولا ذلك ما وجب عليهم القصاص ، وقد قلنا بوجوبه إجماعا منا ومنهم فثبت ما قلنا .

                                                                                                                                                                                                              وأما المعنوي : فإن عندنا أن الجزاء كفارة ، وعند الشافعي أنه قيمة . وتحقيق القول في ذلك أن هذا الجزاء كفارة ومقابل للجناية ، وكل واحد جنى على إحرامه جناية كاملة ، وكل واحد منهم يسمى قاتلا ; والدليل على صحة ذلك كله أن الله سبحانه سمى الجزاء كفارة في كتابه .

                                                                                                                                                                                                              وأما كمال الجناية لكل واحد منهم على الإحرام فصحيح ; لأن كل واحد منهم ارتكب محظور إحرامه في قتل الصيد ، وسمي قاتلا حقيقة فوجب على كل واحد منهم جزاء .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : إنه يقوم بقيمة الصيد ، ويلحظ فيه شبهه . ولو كان كفارة لاعتبر مطلقا من اعتبار ذلك كله ، كما في كفارة القتل ، فلما كان كذلك صار كالدية . قلنا : هذا باطل . والدليل عليه دخول الصوم عليه . ولو كان بدل متلف ما دخل الصيام عليه ، فإن الصيام إنما موضعه وموضوعه الكفارات ، لا أبدال المتلفات .

                                                                                                                                                                                                              جواب آخر : وذلك أنه إنما تقدر بقدر المحل ; لأن الجناية لها ، محل ، فيزيد بزيادته ، وينقص بنقصانه ، بخلاف كفارة الآدمي فإنه حد لا يتقدر حقيقة فيقدر كفارة .

                                                                                                                                                                                                              جواب ثالث : وذلك أن الجزاء لا يجوز إسقاطه ، والدية يجوز إسقاطها ، فدل على اختلافهما بالصفة والموضوع .

                                                                                                                                                                                                              جواب رابع : وذلك أن الذكر والأنثى يستوي في الجزاء ، ويختلف في الدية ، وقيمة الإتلاف ; فدل ذلك كله على الفرق بينهما ، وظهر أن ذلك من قول الشافعي ضعيف جدا . والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية