الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        24 - الحديث الثالث : عن أم قيس بنت محصن الأسدية { أنها أتت بابن لها صغير ، لم يأكل الطعام ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء فنضحه على ثوبه ، ولم [ ص: 122 ] يغسله }

                                        25 - وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء ، فأتبعه إياه ولمسلم فأتبعه بوله ، ولم يغسله } .

                                        التالي السابق


                                        الكلام عليه : اختلف العلماء في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام في موضعين :

                                        أحدهما : في طهارته أو نجاسته ، ولا تردد في قول الشافعي وأصحابه في أنه نجس ، والقائلون بالنجاسة ، اختلفوا في تطهيره : هل يتوقف على الغسل أم لا ؟ فمذهب الشافعي وأحمد : أنه لا يتوقف على الغسل ، بل يكفي فيه الرش والنضح ، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى غسله كغيره ، والحديث ظاهر في الاكتفاء بالنضح وعدم الغسل ، لا سيما مع قولها " ولم يغسله " والذين أوجبوا غسله : اتبعوا القياس على سائر النجاسات ، وأولوا الحديث .

                                        وقولها " ولم يغسله " أي غسلا مبالغا فيه كغيره . ، وهو لمخالفته الظاهر محتاج إلى دليل يقاوم هذا الظاهر ، ويبعده أيضا : ما ورد في بعض الأحاديث ، من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإن الموجبين للغسل لا يفرقون بينهما ، ولما فرق في الحديث بين النضح في الصبي ، والغسل في الصبية : كان ذلك قويا في أن النضح غير الغسل ، إلا أن يحملوا ذلك على قريب من تأويلهم الأول وهو إنما يفعل في بول الصبية أبلغ مما يفعل في بول الصبي ، فسمي الأبلغ " غسلا " والأخف " نضحا " ، واعتل بعضهم في هذا بأن بول الصبي يقع في محل واحد ، وبول الصبية يقع منتشرا ، فيحتاج إلى صب الماء في مواضع متعددة ما لا يحتاج إليه في الصبي ، وربما حمل بعضهم لفظ " النضح " في بول الصبي على الغسل ، وتأيد بما في الحديث من ذكر " مدينة ينضح البحر بجوانبها " وهذا ضعيف لوجهين :

                                        [ ص: 123 ] أحدهما : قولها " ولم يغسله " والثاني : التفرقة بين بول الصبي والصبية ، والتأويل فيه عندهم ما ذكرناه ، وفسر بعض أصحاب الشافعي " النضح " أو " الرش " المذكور في بول الصبي ، فقال : ومعنى الرش : أن يصب عليه من الماء ما يغلبه ، بحيث لو كان بدل البول نجاسة أخرى ، وعصر الثوب : كان يحكم بطهارته .

                                        والصبي المذكور في الحديث محمول على الذكر ، وفي مذهب الشافعي في الصبية خلاف ، والمذهب : وجوب الغسل . للحديث الفارق بين بول الصبي والصبية ، وقد ذكر في معنى التفرقة بينهما وجوه : منها : ما هو ركيك جدا ، لا يستحق أن يذكر . ومنها : ما هو قوي ، وأقوى ذلك ما قيل : إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث ، فيكثر حمل الذكور ، فيناسب التخفيف بالاكتفاء بالنضح ، دفعا للعسر والحرج ، بخلاف الإناث ، فإن هذا المعنى قليل فيهن ، فيجري على القياس في غسل النجاسة ،

                                        وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء ، من جهة قولها " ولم يغسله " مع كونه أتبعه بماء .




                                        الخدمات العلمية