الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني في كيفية الأخذ بالشفعة

                                                                                                                                                                        فيه أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : فيما يحصل به الملك ، لا يشترط في التملك بالشفعة حكم الحاكم ، ولا إحضار الثمن ، ولا حضور المشتري ، ولا رضاه . وقال الصعلوكي : حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط ، وهو شاذ ضعيف ، ولا بد من جهة الشفيع من لفظ ، كقوله : تملكت ، أو اخترت الأخذ بالشفعة ، أو أخذته بالشفعة ، وما أشبهه . وإلا فهو من باب المعاطاة . ولو قال : أنا مطالب بالشفعة ، لم يحصل به التملك [ ص: 84 ] على الأصح ، وبه قطع المتولي . ولذلك قالوا : يعتبر في التملك بها ، أن يكون الثمن معلوما للشفيع ، ولم يشترطوا ذلك في الطلب . وينبغي أن يكون في صحة التملك مع جهالة الثمن ما ذكرناه في بيع المرابحة . وفي " التتمة " إشارة إلى نحوه ، ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ ، بل يعتبر معه أحد أمور .

                                                                                                                                                                        الأول : أن يسلم العوض إلى المشتري فيملك به قبل أن يسلمه وإلا فيخلي بينه وبينه ، أو يرفع الأمر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم .

                                                                                                                                                                        قلت : أو يقبض عنه القاضي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن يسلم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته ، إلا أن يبيع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة ، أو عكسه ، فيجب التقابض في المجلس . ولو رضي بكون الثمن في ذمته ، ولم يسلم الشقص ، فوجهان . أحدهما : لا يحصل الملك ، لأن قول المشتري وعد . وأصحهما : الحصول ، لأنه معاوضة ، والملك في المعاوضات لا يقف على القبض .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه بالشفعة ، ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة ، فوجهان . أحدهما : لا يحصل الملك حتى يقبض عوضه ، أو يرضى بتأخره . وأصحهما : الحصول .

                                                                                                                                                                        الرابع : أن يشهد عدلين على الطلب واختيار الشفعة . فإن لم نثبت الملك بحكم القاضي ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان لقوة قضاء القاضي . وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول ، لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن ، وأن يسلمه المشتري قبل أداء الثمن ، ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه . وإذا لم [ ص: 85 ] يكن الثمن حاضرا وقت التملك ، أمهل ثلاثة أيام ، فإن انقضت ولم يحضره ، فسخ الحاكم تملكه ، هكذا قاله ابن سريج والجمهور . وقيل : إذا قصر في الأداء ، بطل حقه . وإن لم يوجد ، رفع الأمر إلى الحاكم وفسخ منه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يثبت خيار المجلس للشفيع على الأصح المنصوص ، وعلى هذا فيمتد إلى مفارقته المجلس . وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الذي صححه الأكثرون : أنه لا خيار للشفيع ، ممن صححه صاحب " التنبيه " ، والفارقي ، والرافعي في المحرر ، وقطع به البغوي في كتابيه " التهذيب " وشرح " مختصر المزني ، وهو الراجح أيضا في الدليل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ملك الشفيع ، امتنع تصرف المشتري ، فلو طلبه ولم يثبت الملك بعد ، لم يمتنع ، وفيه احتمال للإمام ، لتأكد حقه بالطلب . وفي نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن وجهان . أصحهما : المنع كالمشتري . والثاني : الجواز ، لأنه قهري كالإرث . ولو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي ، لم ينفذ تصرفه قطعا ، وكذا لو ملك برضى المشتري بكون الثمن عنده .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في تملك الشفيع الشقص الذي لم يره ، طريقان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 86 ] أصحهما : أنه على قولي بيع الغائب ، إن منعناه ، لم يتملكه قبل الرؤية ، وليس للمشتري منعه من الرؤية ، وإن صححناه فله التملك . ثم قيل : خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس . وقيل : يثبت قطعا ، لأن خيار المجلس يبعد ثبوته لأحد الجانبين ، بخلاف خيار الرؤية .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الثاني أصح ، وصححه الإمام . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والطريق الثاني : القطع بالمنع وإن صححنا بيع الغائب ، لأن البيع جرى بالتراضي ، فأثبتنا الخيار فيه ، وهاهنا الشفيع أخذ من غير رضا المشتري ، فلا يمكن إثبات الخيار فيه . فلو رضي المشتري أن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار ، فعلى قول الغائب . وإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار ، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع حتى يراه ، ليكون على ثقة منه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        للشفيع الرد بالعيب . ولو أفلس وكان المشتري سلم إليه الشقص راضيا بذمته ، فله الاسترداد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية