الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم بقتل من اتهم بأم ولده فلما ظهرت براءته ، أمسك عنه

روى ابن أبي خيثمة وابن السكن وغيرهما من حديث ثابت ، عن أنس رضي الله عنه ، أن ابن عم مارية كان يتهم بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : " اذهب فإن وجدته عند مارية ، فاضرب عنقه " ، فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها ، فقال له علي : اخرج ، فناوله يده ، فأخرجه ، فإذا هو مجبوب ، ليس له ذكر ، فكف عنه علي ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنه مجبوب ، ما له ذكر . وفي لفظ آخر : أنه وجده في نخلة يجمع تمرا ، وهو [ ص: 15 ] ملفوف بخرقة ، فلما رأى السيف ، ارتعد وسقطت الخرقة ، فإذا هو مجبوب لا ذكر له .

وقد أشكل هذا القضاء على كثير من الناس ، فطعن بعضهم في الحديث ، ولكن ليس في إسناده من يتعلق عليه ، وتأوله بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة القتل ، إنما أراد تخويفه ليزدجر عن مجيئه إليها . قال : وهذا كما قال سليمان للمرأتين اللتين اختصمتا إليه في الولد : " علي بالسكين حتى أشق الولد بينهما " ، ولم يرد أن يفعل ذلك ، بل قصد استعلام الأمر من هذا القول ، ولذلك كان من تراجم الأئمة على هذا الحديث : باب الحاكم يوهم خلاف الحق ليتوصل به إلى معرفة الحق ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف الصحابة براءته ، وبراءة مارية ، وعلم أنه إذا عاين السيف ، كشف عن حقيقة حاله ، فجاء الأمر كما قدره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأحسن من هذا أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه بقتله تعزيرا لإقدامه وجرأته على خلوته بأم ولده ، فلما تبين لعلي حقيقة الحال ، وأنه بريء من الريبة ، كف عن قتله ، واستغنى عن القتل بتبيين الحال ، والتعزير بالقتل ليس بلازم كالحد ، بل هو تابع للمصلحة دائر معها وجودا وعدما .

التالي السابق


الخدمات العلمية