الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا أراد التيمم فالمستحب له أن يسمي الله عز وجل لأنه طهارة عن حدث فاستحب اسم الله تعالى عليه كالوضوء ثم ينوي ويضرب بيديه على التراب ويفرق أصابعه ، فإن كان التراب ناعما فترك الضرب ووضع اليدين جاز ويمسح بهما وجهه ويوصل التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه ، وإلى ما ظهر من الشعور ، ولا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الحاجبين والشاربين والعذارين والعنفقة . ومن أصحابنا من قال : يجب ذلك كما يجب إيصال الماء إليه في الوضوء . والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف التيمم [ ص: 262 ] واقتصر على ضربتين ومسح وجهه بإحداهما ومسح اليدين بالأخرى ، وبذلك لا يصل التراب إلى باطن هذه الشعور ، ويخالف الوضوء لأنه لا مشقة في إيصال الماء إلى ما تحت هذه الشعور ، وعليه مشقة في إيصال التراب فسقط وجوبه ، ثم يضرب ضربة أخرى فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ويمرها على ظهر الكف فإذا بلغ الكوع جعل أطراف أصابعه على حرف الذراع ثم يمر ذلك إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه ، فإذا بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ، ثم يمسح بكفه اليمنى يده اليسرى مثل ذلك ، ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعهما لما روى أسلع رضي الله عنه قال : { قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا جنب فنزلت آية التيمم فقال يكفيك هكذا فضرب بكفيه الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم أمرهما على لحيته ثم أعادهما إلى الأرض فمسح بهما الأرض ثم دلك إحداهما بالأخرى ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما } . والفرض مما ذكرناه : النية ومسح الوجه ومسح اليدين بضربتين أو أكثر ، وتقديم الوجه على اليد . وسننه : التسمية ، وتقديم اليمنى على اليسرى ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذه القطعة يجمع شرحها مسائل : ( إحداها ) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف التيمم بضربتين صحيح تقدم بيانه ، وحديث أسلع غريب ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف وفيه مخالفة لما في المهذب في اللفظ وبعض المعنى وهو أسلع بفتح الهمزة وبالسين والعين المهملتين على وزن أحمد وهو الأسلع بن شريك بن عوف التميمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب راحلته . والكف مؤنثة ، سميت بذالك لأنها تكف عن البدن أي تمنع ما يقصده من ضربة ونحوها . والكوع - بضم الكاف - وهو طرف العظم الذي يلي الإبهام والرسغ هو مفصل الكف وله طرفان وهما عظمات ، الذي يلي الإبهام كوع ، والذي يلي الخنصر كرسوع ويقال في الكوع كاع كبوع وباع ، والذراع تؤنث وتذكر والتأنيث أفصح والإبهام مؤنثة ، وقد تذكر وسبق بيانها في صفة الوضوء والراحة معروفة وجمعها راح .

                                      ( والمسألة الثانية ) يستحب التسمية في أول التيمم لما ذكره المصنف ، [ ص: 263 ] وقوله لأنه طهارة عن حدث احتراز من الدباغ وغيره من إزالات النجاسات وليس مراده بالقياس على الوضوء أن أحدا خالف في التيمم ووافق في الوضوء فألزمه ما يوافق عليه ، بل مراده أن النص ورد في الوضوء فألحقنا التيمم به ، وتقدمت صفة التسمية وفروعها في باب صفة الوضوء ، وظاهر إطلاق المصنف والأصحاب : أنه يستحب التسمية لكل متيمم ، سواء كان حدثه أصغر أم أكبر كما سبق في الغسل .

                                      ( الثالثة ) قوله : ثم ينوي ويضرب يديه على التراب ويمسح وجهه ، هكذا عبارة أكثر الأصحاب ، وقال الماوردي في الإقناع والغزالي في الخلاصة والشيخ نصر في الانتخاب والشاشي في العمدة : ينوي عند مسح وجهه ، واقتصروا على هذه العبارة ، وظاهرها أنه لا تجب النية قبله كما في الوضوء . قال البغوي والرافعي : يجب أن ينوي مع ضرب اليد على التراب ويستديم النية إلى مسح جزء من الوجه ، قالا : فلو ابتدأ النية بعد أخذ التراب أو نوى مع الضرب ثم عزبت نيته قبل مسح شيء من الوجه لم يصح لأن القصد إلى التراب . وإن كان واجبا فليس بركن مقصود ، وإنما المقصود منه نقل التراب ، فمسح الوجه هو المقصود فتجب النية عنده . وحكى الرافعي - فيما إذا قارنت النية نقل التراب وعزبت قبل مسح شيء من الوجه وجها غريبا أنه يجزئه والله أعلم .

                                      وأما قوله : ويضرب يديه على التراب ، فإن كان ناعما فترك الضرب ووضع اليدين جاز فمتفق عليه ، كذا صرح به أصحابنا ، ونص الشافعي على الضرب . قال أصحابنا : أراد إذا لم يعلق الغبار إلا بالضرب أو أراد التمثيل لا الاشتراط قال أصحابنا : ولا يشترط اليد ، بل المطلوب نقل التراب ، سواء حصل بيد أو خرقة أو خشبة أو نحوها ، ونص عليه الشافعي في الأم ، قال في الأم : واستحب أن يضرب بيديه جميعا والله أعلم . [ ص: 264 ] وأما قوله : ويفرق أصابعه في ضربة مسح الوجه فكذا نص عليه الشافعي في مختصر المزني ، وفي البويطي . وكذا قاله جميع أصحابنا العراقيين ، وأطبقوا عليه في كتبهم المشهورة ، وجعلوه مستحبا . وكذا نقله عن جميع العراقيين جماعات ، منهم صاحب البيان ، وكذا قاله جماعة من أصحابنا الخراسانيين ، قالوا : وفائدة استحباب التفريق زيادة تأثير الضرب في إثارة الغبار ، وليكون أسهل وأمكن في تعميم الوجه بضربة واحدة . وقال أكثر الخراسانيين : لا يفرق في ضربة الوجه ، فإن فرق ففي صحة تيممه وجهان وجه البطلان أنه يصير ناقلا لتراب اليد قبل مسح الوجه ، فإن التراب الذي يحصل بين الأصابع لا يزول في مسح الوجه فيمنع انتقال تراب آخر وأحسن البغوي من الخراسانيين في بيان المسألة فقال : نص الشافعي أنه يفرق في الضربتين فقال بعض أصحابنا : لا يفرق في الأولى ، فإن فرق فيها دون الثانية لم يصح مسح ما بين الأصابع لأنه مسح بتراب أخذ قبل مسح الوجه ، وإن فرق في الضربتين فوجهان ( أحدهما ) يجوز لأنه أخذ لليدين ترابا جديدا .

                                      ( والثاني ) لا يجوز لأن بعض المأخوذ أولا بقي بين أصابعه فيصير كما لو كان على وجهه تراب فنقل إليه ترابا آخر من غير أن ينفض الأول فإنه لا يجوز ، قال : والمذهب عندي أنه إذا فرق في الضربتين صح كما نص عليه ولا بأس بأخذ تراب اليد قبل مسح الوجه حتى لو ضرب يديه على تراب ، فمسح بيمينه جميع وجهه ، وبيساره يمينه جاز ، والترتيب واجب في المسح دون أخذ التراب ، هذا كلام البغوي ، والقائل بأنه لا يجوز التفريق في الأولى مطلقا هو القفال ، واستبعد إمام الحرمين والغزالي قوله . وقالا : هذا تضييق للرخصة . قال الإمام : هذا الذي قاله القفال غلو ومجاوزة حد وليس بالمرضي اتباع شعب الفكر ودقائق النظر في الرخص ، وقد تحقق من فعل الشارع ما يشعر بالتسامح فيه ، قال : ولم يوجب أحد من أئمتنا على من يريد التيمم أن ينفض ، الغبار عن وجهه ويديه أولا ، ثم يبتدئ بنقل التراب إليها مع العلم بأن المسافر في تقلباته لا يخلو عن غبار يغشاه فليقتصر على أن ترك التفريق في الأولى ليس ; بشرط .

                                      هذا كلام الإمام . وقطع صاحب العدة بأنه لو فرق في الأولى دون الثانية جاز ، وقال الروياني : قال القفال : نقل المزني تفريق الأصابع في الأولى ، قال القفال : فصوبه جميع أصحابنا وعندي أنه غلط في [ ص: 265 ] النقل ، ولم يذكر الشافعي ذلك في الأولى إنما ذكره في الثانية . قلت : هذا اعتراف من القفال بمخالفته جميع الأصحاب ، ودعواه غلط المزني باطلة من وجهين : ( أحدهما ) أن التغليط لا يصار إليه ، وللكلام وجه ممكن ، وهذا النقل له وجه كما سبق بيان فائدته .

                                      ( والثاني ) أن المزني لم ينفرد بهذا ، بل قد وافقه في نقله البويطي كما قدمته ، كذلك رأيته صريحا في كتاب البويطي رحمه الله وجمع الرافعي متفرق كلام الأصحاب وأنا أنقله مختصرا قال : روى المزني التفريق في الأولى ، فمن الأصحاب من غلطه منهم القفال وصوبه الآخرون وهو الأصح ثم القائلون بالأول اختلفوا في أنه هل يجوز التفريق في الأولى ؟ فجوزه الأكثرون ، قالوا : وإن لم يفرق في الثانية أجزأه ذلك التراب الذي بين الأصابع لما بينها . وقال قائلون منهم القفال : لا يصح تيممه ، ثم قال الرافعي بعد هذا : صحح الأصحاب رواية المزني وهي المذهب هذا كلام الرافعي . وإنما بسطت هذه المسألة وأطنبت فيها هذا الإطناب ، وإن كان ما ذكرته مختصرا بالنسبة إليها لأني رأيت كثيرا من أكابر عصرنا ينتقضون صاحب المهذب والتنبيه بقوله : " يفرق في الضربة الأولى " وينسبونه إلى الشذوذ ومخالفة المذهب والأصحاب والدليل . وهذه أعجوبة من العجائب ، وحاصلها اعتراف صاحبها بعظيم من الجهالة ونهاية من عدم الاطلاع وتسفيهه للأصحاب وكذبه عليهم ، بل على الشافعي ، فقد صح التفريق في الأولى عن الشافعي بنقل إمامين هما أجل أصحابه وأتقنهم باتفاق العلماء وهما البويطي والمزني ، وصح التفريق أيضا عن جمهور الأصحاب ، والله يرحمنا أجمعين . وأما قول المصنف : " ويمسح بهما وجهه " فكذا عبارة الجمهور ، وظاهرها أنه لا استحباب في البداءة بشيء من الوجه دون شيء . وقد صرح جماعة من أصحابنا باستحباب البداءة بأعلى الوجه . منهم المحاملي في اللباب والرافعي ، وقال صاحب الحاوي : مذهب الشافعي أنه يبتدئ بأعلى وجهه كالوضوء ، قال : ومن أصحابنا من قال : يبدأ بأسفل وجهه ثم يستعلي لأن الماء في الوضوء إذا استعلي به انحدر بطبعه فعم جميع الوجه ، والتراب [ ص: 266 ] لا يجري إلا بإمرار اليد فيبدأ بأسفله ليقل ما يصير على أعلاه من الغبار ليكون أجمل لوجهه وأسلم لعينه ، والله أعلم .

                                      وأما قوله : " ويوصل التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه وإلى ما ظهر من الشعر " فأراد بالبشرة الظاهرة ما لا شعر عليه ، واحترز به عن البشرة المستترة بالشعور . وقوله : " وإلى ما ظهر من الشعر يعني الشعر الذي يجب غسله في الوضوء ، كذا قاله أصحابنا ، قالوا : وفي إيصال التراب إلى ظاهر ما خرج من اللحية عن الوجه القولان كالوضوء . وأما قوله : " لا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الحاجبين والشاربين والعذارين ومن أصحابنا من قال : يجب ، والمذهب الأول " فكذا قاله أصحابنا ، واتفقوا على أن الصحيح أنه لا يجب ، وقطع به القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي والمتولي البغوي وآخرون ، وادعى إمام الحرمين أنه لا خلاف فيه ، ودليل الوجهين مذكور في الكتاب وقوله : الحاجبين والشاربين والعذارين تمثيل ، والمراد الشعور التي يجب إيصال الماء إليها في الوضوء ، وهي الثلاثة المذكورة والعنفقة ولحية المرأة والخنثى وأهداب العين وشعر الخدين سواء خفت أو كثفت ، وكذا اللحية الخفيفة للرجل صرح به أصحابنا ، وحكم الشعر على الذراع حكم شعر الوجه ، حكي الخلاف فيه في فتاوى القاضي حسين وجزم القاضي البغوي بأنه لا يجب إيصال التراب إلى ما تحته ، كما قالا في الوجه ; قال القاضي : ولا يستحب إيصال التراب إلى البشرة التي تحت الشعر الكثيف التي يستحب إيصال الماء إليها والله أعلم . وأما قوله : ثم يضرب ضربة أخرى فيضع بطون أصابع يده إلخ . فهذه الكيفية ذكرها الشافعي رحمه الله في مختصر المزني ; واتفق الأصحاب على استحبابها ، وأشار الرافعي إلى حكاية وجه أنها لا تستحب ، بل هي وغيرها سواء ، وليس هذا بشيء ، وإنما استحبها الشافعي والأصحاب لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد في مسح اليدين على ضربة واحدة ، وثبت بالأدلة وجوب استيعاب اليدين فذكروا هذه الكيفية ليبينوا صورة حصول الاستيعاب بضربة ، وذكر جماعات من الأصحاب أنهم أرادوا الجواب عن [ ص: 267 ] اعتراض من قال : الواجب مسح الكف فقط ، وأنه لا يتصور استيعاب الذراعين مع الكفين بضربة فبينوا تصوره ، ولم يثبت في هذه الكيفية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الذي ذكره المصنف ليس فيه دلالة لها ولا هو ثابت كما سبق بيانه .

                                      وذكر الغزالي أنها سنة ، ومراده أن السنة لا يزيد على ضربتين ولا يتمكن من ذلك إلا بهذه الكيفية ، فكانت سنة لكونها محصلة لسنة الاقتصار على ضربة مع الاستيعاب . قال الرافعي : وزعم بعضهم أن هذه الكيفية منقولة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا بشيء ، قال أصحابنا : وكيف أوصل التراب إلى الوجه واليدين بضربتين فأكثر بيده أو خرقة أو خشبة جاز ، ونص عليه في الأم كما سبق وأما قوله : " ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى . ويخلل بين أصابعهما " فاتفق جمهور العراقيين على أنه سنة ليس بواجب . ونقله ابن الصباغ عن الأصحاب مطلقا . هذا إذا كان فرق أصابعه في الضربتين أو في الثانية أما إذا فرق في الأولى فقط ، وقلنا : يجزيه فيجب التخليل ، وقال الخراسانيون والماوردي : في وجوب التخليل ومسح إحدى الراحتين بالأخرى وجهان . وقال البغوي : إن قصد بإمرار الراحتين على الذراعين مسحهما حصل وإلا فلا والصحيح طريقة العراقيين ، قال العراقيون : ويسقط فرض الراحتين ، وما بين الأصابع حين يضرب اليدين على التراب ، قالوا : فإن قيل : إذا سقط فرض الراحتين صار التراب الذي عليهما مستعملا فكيف يجوز مسح الذراعين به ؟ ولا يجوز نقل الماء الذي غسلت به إحدى اليدين إلى الأخرى ؟ فالجواب من وجهين .

                                      ( أحدهما ) : أن اليدين كعضو واحد ، ولهذا جاز تقديم اليسار على اليمين ، ولا يصير التراب مستعملا إلا بانفصاله ، والماء ينفصل عن اليد المغسولة فيصير مستعملا . الثاني : أنه يحتاج إلى هذا هاهنا فإنه لا يمكنه أن يتم الذراع بكفها ، بل يفتقر إلى الكف الأخرى ، فصار كنقل الماء من بعض العضو إلى بعضه وهذان الجوابان ذكرهما ابن الصباغ وغيره وهما مشهوران في كتب العراقيين ، ونقل صاحب البيان وجها أنه يجوز نقل الماء من يد إلى أخرى لأنهما كيد ، فعلى هذا يسقط السؤال . [ ص: 268 ]

                                      ( فرع ) إذا كان يجري إحدى اليدين على الأخرى فرفعها قبل استيعاب العضو ثم أراد أن يعيدها للاستيعاب فوجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أحدهما ) : لا يجوز لأن الباقي على الماسحة صار بالفصل مستعملا .

                                      ( والثاني ) : يجوز قال وهو الأصح لأن المستعمل هو الباقي على الممسوح ، وأما الباقي على الماسحة فهو في حكم التراب الذي يضرب عليه اليد مرتين .



                                      ( فرع ) وأما قول المصنف : الواجب من ذلك النية ومسح الوجه واليدين بضربتين فصاعدا ، وترتيب اليد على الوجه . وسننه : التسمية ، وتقديم اليمنى على اليسرى ففيه نقص . قال أصحابنا : أركان التيمم ستة متفق عليها وهي : النية ، ومسح الوجه ، واليدين ، وتقديم الوجه على اليدين ، والقصد إلى الصعيد ، ونقله . وثلاثة مختلف فيها أحدها : الموالاة وفيها ثلاث طرق : ( المذهب ) أنها سنة ليست بواجبة ، وتقدم بيانها في صفة الوضوء ( والثاني ) : الترتيب في نقل التراب للوجه واليدين وفيه وجهان حكاهما الرافعي وغيره ( أصحهما ) لا يجب فله أن يأخذ التراب بيديه جميعا ويمسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه ، هذا هو الذي اختاره البغوي كما سبق ( والثاني ) : يجب تقديم النقل للوجه قبل النقل لليد .

                                      ( والثالث ) : استيفاء ضربتين ، قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعة من الخراسانيين بأنه واجب ، وهذا هو المعروف من مذهب الشافعي ، ولم يذكر أكثر الخراسانيين ذلك في الواجبات ولا تعرضوا له . وقال الرافعي : قد تكرر لفظ الضربتين في الأحاديث ، فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر ، فقالوا : لا يجوز أن ينقص منهما ، وقال آخرون : الواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين سواء كان بضربة أو أكثر ، قال : [ ص: 269 ] وهذا أصح لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين ولا ينقص ، وفيه وجه أنه يستحب ضربة للوجه وضربة لليد اليمنى وثالثة لليسرى . والأول هو المشهور . هذا كلام الرافعي في الشرح ، وقطع في كتابه المحرر بأن الضربتين سنة ، والمعروف ما قدمته . فهذه الواجبات المتفق عليها المختلف فيها ، وقد استوفى المصنف المتفق عليه فإن قيل : فلم يذكر القصد إلى الصعيد وهو أحد الأركان الستة ، قلنا : بل ذكره في الفصل الذي بعد هذا ، ولم يستوعب بهذه العبارة جميع الفروض ، بل قال : الفرض مما ذكرناه ، والقصد ليس مما ذكره والله أعلم .



                                      وأما السنن فكثيرة ( إحداها ) التسمية .

                                      ( الثانية ) تقديم اليد اليمنى على اليسرى .

                                      ( الثالثة ) الموالاة على المذهب .

                                      ( الرابعة ) أن يبدأ بأعلى وجهه على الأصح ، وقيل بأسفله كما سبق .

                                      ( الخامسة ) أن يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ، ويخلل الأصابع على الصحيح وقيل يجبان كما سبق .

                                      ( السادسة ) أن لا يزيد على ضربتين ، قال المحاملي في اللباب والروياني : الزيادة على مسحة للوجه ومسحة لليدين مكروهة ، وحكى الرافعي وجها أنه يستحب تكرار المسح كالوضوء وليس بشيء لأن السنة فرقت بينهما ولأن في تكرار الغسل زيادة تنظيف بخلاف التيمم .

                                      ( السابعة ) أن يخفف التراب المأخوذ وينفخه إذا كان كثيرا بحيث يبقي قدر الحاجة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يديه بعد أخذ التراب ، ونص عليه الشافعي والأصحاب ، وقال صاحب الحاوي : نص في القديم أنه يستحب ولم يستحبه في الجديد ، فقال بعض أصحابنا فيه قولان : القديم يستحب والجديد لا يستحب ، وقال آخرون على حالين ، إن كان كثيرا نفخ وإلا فلا ( والثامنة ) أن يديم يده على العضو لا يرفعها حتى يفرغ من مسحه ، وفي هذا وجه أنه واجب وقد سبق .

                                      ( التاسعة ) أن يستقبل القبلة كالوضوء .

                                      ( العاشرة ) إمرار التراب على العضو تطويلا للتحجيل كما سبق في الوضوء ، وليخرج من خلاف من أوجبه . وممن صرح باستحبابه المتولي البغوي ، ونقله صاحب البحر عن الأصحاب ، [ ص: 270 ] وحكى الرافعي وجها ضعيفا أنه لا يستحب .

                                      ( الحادية عشرة ) ينبغي أن يستحب بعده النطق بالشهادتين كما سبق في الوضوء والغسل ، وربما دخل في السنن بعض ما سأذكره إن شاء الله تعالى في فرع المسائل الزائدة .



                                      ( فرع ) يجب الترتيب في تيمم الجنابة كما يجب في تيمم الحدث الأصغر فيمسح وجهه ثم يديه ، وإن كان لا يجب الترتيب في غسل الجنابة ، قال الشيخ أبو محمد : والفرق أن الترتيب إنما يظهر في المحلين المختلفين ولا يظهر في المحل الواحد ، فالبدن في الغسل شيء واحد ، فصار كعضو من أعضاء الوضوء ، وأما الوجه واليدان في التيمم فمحلان مختلفان والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية