الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله ) : وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت الشهود أن أباه أوصى بالثلث لآخر فإنه يؤخذ بشهادة الشهود ، ولا شيء للذي أقر له الوارث ; لأن الشهادة حجة في حق الكل والإقرار حجة في حق المقر خاصة فوصية المشهود له ثابتة في حق المقر له ووصية المقر له ليست بثابتة في حق المشهود له ومحل الوصية الثلث .

وإذا صار الثلث مستحقا للمشهود له بقضاء القاضي لم يبق للمقر له شيء ; لأن الوارث إنما أقر له بالثلث وصية والاستحقاق بالوصية لا يكون إلا في محلها قال : ولو أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان ، ثم قال : بعد ذلك بل أوصى به لفلان أو قال : أوصى به لفلان لا بل لفلان فهو للأول في الوجهين جميعا ، ولا شيء للآخر ; لأن الأول استحق الثلث بإقرار الوارث له على وجه لا يملك الوارث إبطال استحقاقه بالرجوع عنه وقوله لا بل لاستدراك الغلط بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقامه ولم يصح رجوعه وما بقي الثلث مستحقا للأول لا يملك المقر إيجابه لغيره فإقراره للثاني صادف محلا هو مستحق لغيره فكان الأول أحق به .

قال ولو أقر إقرارا متصلا فقال : أوصى بالثلث لفلان ، وأوصى به لفلان جعلت الثلث بينهما نصفين ; لأنه أشرك الثاني مع الأول في الثلث [ ص: 37 ] والعطف للاشتراك ، وهو صحيح منه ; لأن الكلام المتصل بعضه ببعض إذا كان في آخره ما يغير موجب أوله يتوقف أوله على آخره ويصير هذا بمنزلة ما لو أقر لهما معا بخلاف ما إذا لم يكن كلامه متصلا ; لأن البيان المغير له بمنزلة الاستثناء يصح موصولا لا مفصولا وقد بيناه في الإقرار قال : وإذا أقر أنه أوصى به لفلان ودفعه إليه ، ثم قال : لا بل لفلان فهو ضامن له حتى يدفع مثله إلى الثاني ، ولا يصدق على الأول ; لأنه بالكلام الثاني أقر أن الثلث كان مستحقا للثاني دون الأول وقد دفعه إلى الأول باختياره فصار مستهلكا للمدفوع ، ويجعل ذلك كالقائم في حقه فلزمه دفع مثله إلى الثاني ، ولا يقبل قوله في الرجوع عن الاستحقاق الذي أقر به للأول ولو كان دفعه إلى الأول بقضاء القاضي لم يضمن للثاني شيئا ; لأنه ما استهلك شيئا من المال فإن الدفع كان بقضاء القاضي ومحل الوصية تعين فيما قضى به القاضي للأول فيكون هو شاهدا للثاني على الأول .

والشاهد إذا ردت شهادته لم يغرم شيئا بخلاف الأول فهناك هو الذي دفع بنفسه فكان مستهلكا ، وتعيينه في حق الثاني غير صحيح فيجعل في حق الثاني كأن محل الوصية في يده على حاله ، ولو أقر لرجل بوصية ألف بعينها ، وهو الثلث ، ثم أقر لآخر بعد ذلك بالثلث ، ثم رفع إلى القاضي فإنه ينقد الألف للأول ; لأنه أقر له ، والمال فارغ عن حق الغير وبقضاء القاضي يتعين المدفوع إلى الأول محلا للوصية ، ولا يكون للثاني على الوارث شيء ; لأنه لم يبق شيء من محل الوصية في يده ويتبين أن الوارث في الكلام الثاني كان شاهدا للثاني على الأول لا مقرا له على نفسه وشهادة الورثة على الوصية جائزة كما تجوز شهادة غير الوارث ; لأنه لا منفعة في هذه الشهادة بل عليه فيها ضرر .

التالي السابق


الخدمات العلمية