الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال رحمه الله ) : وإذا كان على المريض دين في الصحة فغصب في مرضه من إنسان شيئا ، ثم قضاه فهو جائز ; لأنه لو رد عين المغصوب لم يكن لغرماء الصحة عليه سبيل فكذلك إذا رد عليه مثله أو قيمته ; لأن ذلك يحكي عينه ، وهذا بدل مال وصل إلى المريض فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا بمثل قيمته ونقد ثمنه فلا يكون لغرماء الصحة على البائع سبيل ; لأن المريض ما أتلف عليهم شيئا حين وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى ، وكذلك ما أخذه فأنفقه على نفسه في كسوته وطعامه ودوائه ، ثم قضاه فإنه قد وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى ، ثم حاجته في ماله تقدم على حق غرمائه .

ولو استأجر أجيرا أو تزوج امرأة وأعطاهما ذلك لم يجز وكانا أسوة غرماء الصحة فيه ; لأنه لم يصل إليه مثل ما يكون ما أدى في صفة المالية ، فكان هذا إبطالا منه لحق غرماء الصحة عن ذلك المال وتخصيص بعض غرمائه بقضاء الدين ، والمريض ممنوع عن ذلك إلا أن الدين وجب لهما بسبب لا تهمة فيه فكان أسوة غرماء الصحة في ماله .

ولو أقر المريض أن دينه الذي على هذا الرجل لفلان فإن ذلك لا يجوز حتى يستوفي غرماء الصحة دينهم ; لأن إقراره في المرض بدين له على الغير كإقراره بعين له في يده أو في يد غيره وذلك غير صحيح منه في حق غرماء الصحة ، وهذا بخلاف ما إذا أقر باستيفاء [ ص: 79 ] الدين من غريمه ، وهو غير وارث ، وقد كان الدين في الصحة ; لأنه مسلط على الاستيفاء وقد ثبت للغريم حق براءة ذمته عند إقراره بالاستيفاء منه فلا يتغير ذلك بمرضه ، وهو غير مسلط على الإقرار بالدين الواجب له أو لغيره بل هو ممنوع من ذلك لحق غرماء الصحة كما هو ممنوع من تمليكه منه بالهبة ، وقد ذكرنا في كتاب الشفعة بيع المريض من الأجنبي بالمحاباة وغير المحاباة وما يجب فيه من الشفعة للوارث وغير الوارث وما ذلك من اختلاف الروايات وأن بيعه من وارثه غير صحيح أصلا عند أبي حنيفة وعندهما وابن أبي ليلى إذا باع بالقيمة أو بأكثر .

جاز قال : ولو أوصى رجل إلى رجل بثلثه يضعه حيث أحب أو يجعله حيث أحب فهما سواء وله أن يجعله لنفسه ولمن أحب من ولده ; لأنه قائم مقام الموصي في الوضع والجعل ، والموصى له وضعه فيه أو في ولده أو جعله له جاز ذلك فكذلك الوصي إذا فعل ذلك ; لأن الوضع والجعل يتحقق منه في نفسه كما يتحقق في غيره ، وليس له أن يجعله لأحد من ورثة الميت ; لأنه قائم مقام الموصي فإن جعله لبعض ورثته فهو باطل ، ويرد على جميع الورثة وليس له أن يعطيه بعد ذلك أحدا ; لأنه ممتثل أمر الموصي فينتهي به ما فوض إليه ويصير فعله كفعل الموصي .

ولو فعله الموصى لبعض ورثته كان ذلك باطلا وكان مردودا على جميع الورثة فهذا مثله .

ولو أوصى بثلثه إليه أن يعطيه من شاء فليس له أن يعطيه نفسه ; لأنه مأمور بالإعطاء من جهة الموصي وهو لا يكون معطيا نفسه كما يكون جاعلا لها واضعا عندها ألا ترى أن من عليه الزكاة أو صدقة الفطر ليس له أن يضعه في نفسه ; لأنه مأمور بالإيتاء والأداء ، ولا يحصل ذلك بالصرف إلى نفسه ، ومن وجد ركازا له أن يضع الخمس في نفسه إذا كان مصرفا له ; لأن الواجب جعل الخمس لمصارف الخمس ووضعها فيهم وقد جعل ذلك .

ولو أوصى إلى رجل فقال : قد جعلت ثلثي لرجل سميته فصدقوه فقال الوصي : هو هذا وخالفه الورثة لم يصدق الوصي على ذلك ; لأنه أوصى بما هو خلاف حكم الشرع وهو إثبات الاستحقاق بشهادة شاهد واحد ; لأن الوصي هاهنا بمنزلة الشاهد وشهادة الواحد لا تكون حجة بخلاف الأول فإن هناك أوصى إليه بالوضع والواضع يكون متسببا بالتصرف على وجه النيابة لا شاهدا فلم يكن ذلك وصية بما يخالف الشرع وعلى هذا لو قال للوصي : اعتق أي عبيدي شئت كان له أن يعتق أيهم شاء .

ولو قال : قد أعتقت عبدي فسميته للوصي فصدقوه في ذلك لم يصدق .

ولو أوصى إلى رجلين أن يضعا ثلثه حيث شاءا ويعطياه من شاءا واختلفا فقال أحدهما : أعطيه فلانا وقال الآخر : لا بل فلانا لم يكن لواحد من الرجلين شيء ; لأن الوصيين [ ص: 80 ] لم يجمعا على واحد منها ، وإنما فوض الموصي الرأي في الوضع إليهما ، وهذا شيء يحتاج فيه إلى الرأي لاختيار المصرف ، ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى .

ولو قال : قد أوصيت بثلثي لفلان وقد سميته للوصيين فصدقوهما ، فقال : هو هذا وشهدا له بذلك جازت شهادتهما لخلوها عن التهمة وشهادة المثنى حجة تامة

. وإن اختلفا في ذلك أبطلت قولهما ; لأن كل واحد منهما يشهد بغير ما شهد به صاحبه

التالي السابق


الخدمات العلمية