الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين .

                                                                                                                                                                                                                                      بئسما اشتروا به أنفسهم : "ما" نكرة؛ بمعنى "شيء"؛ منصوبة؛ مفسرة لفاعل "بئس"؛ و"اشتروا": صفته؛ أي: بئس شيئا باعوا به أنفسهم؛ وقيل: اشتروها به في زعمهم؛ حيث يعتقدون أنهم بما فعلوا خلصوها من العقاب؛ ويأباه أنه لا بد أن يكون المذموم ما كان حاصلا لهم؛ لا ما كان زائلا عنهم؛ والمخصوص بالذم قوله (تعالى): أن يكفروا بما أنزل الله : أي: بالكتاب المصدق لما معهم؛ بعد الوقوف على حقيقته؛ وتبديل الإنزال بالمجيء للإيذان به؛ بغيا : حسدا؛ وطلبا لما ليس لهم؛ وهو علة لـ "أن يكفروا"؛ حتما؛ دون "اشتروا"؛ لما قيل من الفصل بما هو أجنبي بالنسبة إليه؛ وإن لم يكن أجنبيا بالنسبة إلى فعل الذم؛ وفاعله؛ ولأن البغي مما لا تعلق له بعنوان البيع قطعا؛ لا سيما وهو معلل بما سيأتي من تنزيل الله (تعالى) من فضله على من يشاؤه؛ وإنما الذي بينه وبينه علاقة هو كفرهم بما أنزل الله (تعالى)؛ والمعنى: بئس شيئا باعوا به أنفسهم كفرهم المعلل بالبغي الكائن؛ لأجل: أن ينزل الله من فضله ؛ الذي هو الوحي؛ على من يشاء ؛ أي: يشاؤه؛ ويصطفيه؛ من عباده ؛ المستأهلين لتحمل أعباء الرسالة؛ ومآله تعليل كفرهم بالمنزل؛ بحسدهم للمنزل عليه؛ وإيثار صيغة التفعيل ههنا للإيذان بتجدد بغيهم؛ حسب تجدد الإنزال؛ وتكثره؛ حسب تكثره.

                                                                                                                                                                                                                                      فباءوا بغضب على غضب : أي رجعوا ملتبسين بغضب كائن على غضب؛ مستحقين له حسب ما اقترفوا من كفر على كفر؛ فإنهم كفروا بنبي الحق؛ وبغوا عليه؛ وقيل: كفروا بمحمد - عليه الصلاة والسلام -؛ بعد عيسى؛ وقيل: بعد قولهم: عزير ابن الله ؛ وقولهم: يد الله مغلولة ؛ وغير ذلك من فنون كفرهم؛ وللكافرين : أي: لهم؛ والإظهار في موقع الإضمار للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم؛ عذاب مهين : يراد به إهانتهم؛ وإذلالهم؛ لما أن كفرهم بما أنزل الله (تعالى) كان مبنيا على الحسد المبني على طمع النزول عليهم؛ وادعاء الفضل على الناس؛ والاستهانة بمن أنزل عليه - عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية