الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل السادس : في التصويب .

                                                                                                                قال الجاحظ وعبد الله بن الحسين العنبري بتصويب المجتهدين في أصول الدين ، بمعنى نفي الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد ، واتفق سائر العلماء على فساده .

                                                                                                                وأما في الأحكام الشرعية ، فاختلفوا هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الواقع أم لا ؟

                                                                                                                والثاني : قول من قال : كل مجتهد مصيب ، وهو قول جمهور المتكلمين ، ومنهم الأشعري ، والقاضي أبو بكر منا ، وأبو علي ، وأبو هاشم من المعتزلة .

                                                                                                                وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين ، فهل في الواقعة حكم : لو كان لله تعالى حكم معين لحكم به أم لا ؟

                                                                                                                والأول : هو القول بالأشبه ، وهو قول جماعة من المصوبين .

                                                                                                                والثاني : قول بعضهم .

                                                                                                                وإذا قلنا بالمعين : فإما أن يكون عليه دليل ظني ، أو قطعي . أو ليس عليه واحد منهما ، والثاني : هو قول جماعة من الفقهاء والمتكلمين ، ونقل عن الشافعي ، وهو عندهم كدفين يعثر عليه بالاتفاق .

                                                                                                                [ ص: 146 ] وعلى القول بأن عليه دليلا ظنيا : فهل كلف الإنسان بطلب ذلك الدليل ؟ فإن أخطأه تعين التكليف إلى ما غلب على ظنه ، وهو قول . أو لم يكلف بطلبه لخفائه ؟ وهو قول كافة الفقهاء منهم الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهم .

                                                                                                                والقائلون بأن عليه دليلا قطعيا اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه ، وقال بشر المريسي : إن أخطأه استحق العقاب ، وقال غيره لا يستحق العقاب .

                                                                                                                واختلفوا أيضا هل ينقض قضاء القاضي إذا خالفه ؟ قال الأصم : ينقض ، وقال الباقون : لا ينقض .

                                                                                                                والمنقول عن مالك - رحمه الله - أن المصيب واحد ، واختاره الإمام فخر الدين .

                                                                                                                وقال عليه دليل ظني ، ومخالفه معذور ، والقضاء لا ينقض .

                                                                                                                لنا : أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة ، أو الراجحة ، أو درء المفاسد الخالصة ، أو الراجحة ، ويستحيل وجودها في النقيضين ، فيتحد الحكم .

                                                                                                                احتجوا بانعقاد الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يتبع ما غلب على ظنه ، ولو خالف الإجماع ، وكذلك من قلده ، ولا نعني بحكم الله إلا ذلك ، فكل مجتهد مصيب ، وتكون ظنون المجتهدين تتبعها الأحكام كأحوال المضطرين والمختارين بالنسبة إلى الميتة ، فيكون الفعل الواحد حلالا حراما بالنسبة إلى شخصين كالميتة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية