الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون

قيل: إن سبب هذه الآية أن بعض المسلمين قال: إن محمدا لن يموت وإنما هو مخلد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره، ونزلت هذه الآية. والمعنى: لم نخلد أحدا، ولا أنت نخلدك، وينبغي ألا ينتقم أحد من المشركين عليك في هذا أفهم مخلدون إن مت أنت فيصح لهم انتقام؟

وقيل: إن سبب الآية أن كفار مكة طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بشر، وأنه يأكل الطعام [ ص: 166 ] ويموت، فكيف يصح إرساله؟ فنزلت الآية رادة عليهم. وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط، وقدمت في أول الجملة لأن الاستفهام له صدر الكلام، والتقدير: أفهم الخالدون إن مت؟ والفاء في قوله تعالى: "أفئن" عاطفة جملة على جملة، وقرأت فرقة: "مت" بضم الميم، وفرقة : "مت" بكسرها.

وقوله تعالى: كل نفس عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوفة. و "الذوق" هاهنا مستعار، و "نبلوكم" معناه: نختبركم، وقدم الشر لأن الابتلاء به أكثر، ولأن العرب من عادتها أن تقدم الأقل والأردأ، فمنه قوله تعالى: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ومنه قوله تعالى: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، فبدأ في تقسيم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالظلم. وقال الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما: إنه جعل الخير والشر هاهنا عاما في الغنى والفقر والصحة والمرض والطاعة والمعصية والهدى والضلالة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والظاهر أن المراد من الخير والشر هنا ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء، وذلك خير المال وشره، وخير البدن وشره، وخير الدنيا في الحياة وشرها، وأما الهدى والضلال فغير داخل في هذا، ولا الطاعة ولا المعصية; لأن من هدي فليس نفس هداه اختبارا، بل قد تبين خيره، فعلى هذا ففي الخير والشر ما ليس فيه اختبار، كما يوجد أيضا اختبار بالأوامر والنواهي وليس بداخل في هذه الآية.

و "فتنة" معناه: امتحانا وكشفا. ثم أخبر عز وجل عن الرجعة إليه والقيام من القبور، وفي قوله سبحانه: وإلينا ترجعون وعيد. وقرأت فرقة: "ترجعون" بضم التاء، وقرأت فرقة: "ترجعون" بفتحها، وقرأت فرقة: "يرجعون" بالياء مضمومة، على الخروج من الخطاب إلى الغيبة.

[ ص: 167 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية