الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وعلى الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شيء وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم إلى قوله صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                        5054 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب أخبرنا هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قلت يا رسول الله هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني قال نعم لك أجر ما أنفقت عليهم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب وعلى الوارث مثل ذلك وهل على المرأة منه شيء ؟ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم الآية ) كذا لأبي ذر ولغيره بعد قوله أبكم إلى قوله صراط مستقيم قال ابن بطال ما ملخصه : اختلف السلف في المراد بقوله وعلى الوارث مثل ذلك فقال ابن عباس : عليه أن لا يضار ، وبه قال الشعبي ومجاهد ، والجمهور قالوا : ولا غرم على أحد من الورثة ، ولا يلزمه نفقة ولد الموروث ، وقال آخرون : على من يرث الأب مثل ما كان على الأب من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له . ثم اختلفوا في المراد بالوارث فقال الحسن والنخعي : هو كل من يرث الأب من الرجال والنساء ، وهو قول أحمد وإسحاق ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : هو من كان ذا رحم محرم للمولود دون غيره ، وقال قبيصة بن ذؤيب : هو المولود نفسه ، وقال زيد بن ثابت : إذا خلف أما وعما فعلى كل منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث ، وبه قال الثوري .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن بطال : وإلى هذا القول أشار البخاري بقوله وعلى ، وهل على المرأة منه شيء ؟ ثم أشار إلى رده بقوله تعالى وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم فنزل المرأة من الوارث منزلة الأبكم من المتكلم اهـ وقد أخرج الطبري هذه الأقوال عن قائلها ، وسبب الاختلاف حمل المثلية في قوله مثل ذلك على جميع ما تقدم أو على بعضه ، والذي تقدم الإرضاع والإنفاق والكسوة وعدم الإضرار ، قال ابن العربي : قالت طائفة لا يرجع إلى الجميع بل إلى الأخير ، وهذا هـو الأصل ، فمن ادعى أنه يرجع إلى الجميع فعليه الدليل لأن الإشارة بالإفراد ، وأقرب مذكور هو عدم الإضرار فرجع الحمل عليه . ثم أورد حديث أم سلمة في سؤالها : هل لها أجر في الإنفاق على أولادها من أبي سلمة ولم يكن لهم مال ؟ فأخبرها أن لها أجرا ، فدل على أن نفقة بنيها لا تجب عليها ، إذ لو وجبت عليها لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وكذا قصة هند بنت عتبة فإنه أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب فدل على أنها تجب عليه دونها ، فأراد البخاري [ ص: 425 ] أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم بذلك مستمر بعد الآباء ، ويقويه قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الرضاع للأبناء ، فكيف يجب لهن في أول الآية ويجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها ؟ وأما قول قبيصة فيرده أن الوارث لفظ يشمل الولد وغيره فلا يخص به وارث دون آخر إلا بحجة ولو كان الولد هو المراد لقيل وعلى المولود ، وأما قول الحنفية فيلزم منه أن النفقة تجب على الخال لابن أخته ولا تجب على العم لابن أخيه وهو تفصيل لا دلالة عليه من الكتاب ولا السنة ولا القياس قاله إسماعيل القاضي ، وأما قول الحسن ومن تابعه فتعقب بقوله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فلما وجب على الأب الإنفاق على من يرضع ولده ليغذى ويربى فكذلك يجب عليه إذا فطم فيغذيه بالطعام كما كان يغذيه بالرضاع ما دام صغيرا ، ولو وجب مثل ذلك على الوارث لوجب إذا مات عن الحامل أنه يلزم العصبة بالإنفاق عليها لأجل ما في بطنها ، وكذا يلزم الحنفية إلزام كل ذي رحم محرم . وقال ابن المنير : إنما قصد البخاري الرد على من زعم أن الأم يجب عليها نفقة ولدها وإرضاعه بعد أبيه لدخولها في الوارث ، فبين أن الأم كانت كلا على الأب واجبة النفقة عليه ; ومن هو كل بالأصالة لا يقدر على شيء غالبا كيف يتوجه عليه أن ينفق على غيره ؟ وحديث أم سلمة صريح في أن إنفاقها على أولادها كان على سبيل الفضل والتطوع ، فدل على أن لا وجوب عليها .

                                                                                                                                                                                                        وأما قصة هند فظاهرة في سقوط النفقة عنها في حياة الأب فيستصحب هذا الأصل بعد وفاة الأب ، وتعقب بأنه لا يلزم من السقوط عنها في حياة الأب السقوط عنها بعد فقده ، وإلا فقد القيام بمصالح الولد بفقده ، فيحتمل أن يكون مراد البخاري من الحديث الأول وهو حديث أم سلمة في إنفاقها على أولادها الجزء الأول من الترجمة وهو أن وارث الأب كالأم يلزمه نفقة المولود بعد موت الأب ، ومن الحديث الثاني الجزء الثاني وهو أنه ليس على المرأة شيء عند وجود الأب ، وليس فيه تعرض لما بعد الأب ، والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية