الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا فعلوا فاحشة جملة مبتدأة لا محل لها من الإعراب ، وقد جوز عطفها على الصلة ، والفاحشة : الفعلة المتناهية في القبح ، والتاء لأنها مجراة على الموصوف المؤنث ، أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، والمراد بها : عبادة الأصنام ، وكشف العورة في الطواف ، ونحوهما .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا جوابا للناهين عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها محتجين بأمرين : تقليد الآباء ، والافتراء على الله سبحانه ، ولعل تقديم المقدم للإيذان منهم بأن آباءهم إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها ، على أن ضمير " أمرنا " لهم ولآبائهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فحينئذ يظهر وجه الإعراض عن الأول في رد مقالتهم بقوله تعالى : قل إن الله لا يأمر بالفحشاء فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال ، والحث على مراضي الخصال ، ولا دلالة فيه على أن قبح الفعل ، بمعنى ترتب الذم عليه عاجلا والعقاب آجلا ، عقلي ; فإن المراد بالفاحشة : ما ينفر عنه الطبع السليم ، ويستنقصه العقل المستقيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هما جوابا سؤالين مترتبين ، كأنه قيل لما فعلوها : لم فعلتم ؟ فقالوا : وجدنا عليها آباءنا ، فقيل : لم فعلها آباؤكم ؟ فقالوا : الله أمرنا بها ، وعلى الوجهين يمنع التقليد إذا قام الدليل بخلافه لا مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                                      أتقولون على الله ما لا تعلمون من تمام القول المأمور به ، والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه ، وتوجيه الإنكار والتوبيخ إلى قولهم عليه تعالى ما لا يعلمون صدوره عنه تعالى ، مع أن بعضهم يعلمون عدم صدوره عنه تعالى ، مبالغة في إنكار تلك الصورة ، فإن إسناد ما لم يعلم صدوره عنه تعالى إليه تعالى إذا كان منكرا ، فإسناد ما علم عدم صدوره عنه إليه عز وجل أشد قبحا وأحق بالإنكار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية