الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في القسم والعدل بين الزوجات

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك قول الله -عز وجل-: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة [النساء: 3]. فأباح أربعا مع العدل، وحرم ما بعد واحدة إذا خاف الميل، وأخبر الله -عز وجل- أن الزوج لا يستطيع أن يأتي بذلك مع حقيقته، وأمره بما يطيق. فقال تبارك وتعالى: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا... الآية [النساء: 129].

                                                                                                                                                                                        قيل: نزلت في الحب والجماع، فالحب مما لا يستطاع العدل فيه ولا يملك، والجماع تابع له؛ لأنه عنه ينبعث، فأمر أن يأتي من ذلك ما يطيق، ولا يؤثر من يهوى فوق القدر الذي يغلب عليه، وأن يصلحوا، فيعدلوا، ويتقوا الله في ألا يميلوا.

                                                                                                                                                                                        وفي الترمذي قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه، فيعدل، ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك".

                                                                                                                                                                                        وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط". [ ص: 2045 ]

                                                                                                                                                                                        والعدل بين الزوجات في ثلاثة أوجه: الكون عندهن، وإصابتهن، وما يكون منه من نفقة وكسوة.

                                                                                                                                                                                        فأما كونه عندهن فلا خلاف أن عليه أن يسوي بينهن إذا كانتا حرتين.

                                                                                                                                                                                        وأما الإصابة فعليه العدل من وجه ألا يمسك عن واحدة ليبقي نفسه للأخرى، وليس عليه إذا أصاب واحدة أن يصيب الأخرى إذا لم ينشط لها.

                                                                                                                                                                                        وأما النفقة والكسوة: فليس عليه المساواة فيها فقد تكون إحداهن ذات منصب وقدر، فلها أن تطلبه بما يجب لمثلها، وليس عليه أن يلحق الدنية بها.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يتطوع لواحدة بأكثر مما يجب لها من النفقة والكسوة؟ فأجازه ابن حبيب.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد مرة: لا بأس أن يكسو إحداهن الخز والحلي ما لم يكن على وجه الميل.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: لا بأس بالشيء اليسير ما لم يكن على وجه الضرر والميل. وهذا أحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا. قال: فارجعه". فمنع التطوع بالهبة لأحد الأولاد، لما يدخل في ذلك [ ص: 2046 ] من الفساد والشنآن والتحاسد والعقوق منهم له. ومعلوم أنه مطالب فيما بين نسائه بمثل ذلك. وأن الذي يدخل بينهن من الفساد عند ذلك أشد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية