الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          958 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا يقبل من كافر إلا الإسلام ، أو السيف - الرجال والنساء في ذلك سواء - حاشا أهل الكتاب خاصة ، وهم اليهود ، والنصارى ، والمجوس فقط ، فإنهم إن أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ومالك : أما من لم يكن كتابيا من العرب خاصة فالإسلام أو السيف .

                                                                                                                                                                                          وأما الأعاجم فالكتابي وغيره سواء ، ويقر جميعهم على الجزية .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا باطل لقول الله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، وقال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم يخص تعالى عربيا من عجمي في كلا الحكمين . [ ص: 414 ]

                                                                                                                                                                                          وصح أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر ; فصح أنهم من أهل الكتاب ، ولولا ذلك ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ربه تعالى .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : { إنما أريدهم على كلمة تدين لهم بها العرب ثم تؤدي إليها العجم الجزية } فلا حجة لهم في هذا ; لأنهم لا يختلفون في أن أهل الكتاب من العرب يؤدون الجزية ، وأن من أسلم من العجم لا يؤدي الجزية .

                                                                                                                                                                                          فصح أن هذا الخبر ليس على عمومه ، وأنه عليه السلام إنما عنى بأداء الجزية بعض العجم لا كلهم ، وبين تعالى من هم ، وأنهم أهل الكتاب فقط .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله أنهم جعلوا قول الله تعالى : { فإما منا بعد وإما فداء } منسوخا بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ولم يجعلوا ذلك مبينا لقوله عليه السلام : { تؤدي إليكم الجزية } ولو قلبوا لأصابوا وهذا تحكم بالباطل .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : قال الله تعالى : { لا إكراه في الدين } ؟ فقلنا : أنتم أول من يقول : إن العرب الوثنيين يكرهون على الإسلام ، وإن المرتد يكره على الإسلام .

                                                                                                                                                                                          وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكره مشركي العرب على الإسلام ، فصح أن [ هذه ] الآية ليست على ظاهرها وإنما هي فيمن نهانا الله تعالى أن نكرهه ، وهم أهل الكتاب خاصة - وقولنا هذا هو قول الشافعي ، وأبي سليمان - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          959 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والصغار هو أن يجري حكم الإسلام عليهم ، وأن لا يظهروا شيئا من كفرهم ، ولا مما يحرم في دين الإسلام قال عز وجل : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وبنو تغلب وغيرهم سواء لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يفرقا بين أحد منهم ، ويجمع الصغار شروط عمر رضي الله عنه عليهم . نا محمد بن الحسن بن عبد الوارث نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس [ ص: 415 ] نا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق الصفار نا أبو الفضل الربيع بن تغلب نا يحيى بن عقبة عن أبي العيزار عن سفيان الثوري عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال : كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه : أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا ما حولها ديرا ، ولا كنيسة ، ولا قلية ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ، ولا يؤووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، ويقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم : في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا يتكلموا بكلام المسلمين ، ولا يتكنوا بكناهم ، لا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يتخذوا شيئا من السلاح ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رءوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا ناقوسا إلا ضربا خفيفا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين . فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق . وعن عمر أيضا : أن لا يجاورونا بخنزير . قال أبو محمد : ومن الصغار أن لا يؤذوا مسلما ، ولا يستخدموه ، ولا يتولى أحد منهم شيئا من أمور السلطان يجري لهم فيه أمر على مسلم

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية