الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون

المعنى: فانصرفوا من عيدهم فرأوا ما حدث بآلهتهم فأكبروا ذلك، وحينئذ قالوا: من فعل هذا على جهة البحث والإنكار، و "قالوا" الثانية الضمير فيها يعود للقوم الضعفة الذين سمعوا إبراهيم عليه السلام حين قال: وتالله لأكيدن ، واختلف الناس في وجه رفع قوله: " إبراهيم " فقالت فرقة: هو مرتفع بتقدير النداء، كأنهم أرادوا: الذي يقال له عند ما يدعى: يا إبراهيم ، وقالت فرقة: رفعه على إضمار الابتداء، تقديره: هو إبراهيم .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والأول أرجح. وقال الأستاذ أبو الحجاج الإشبيلي الأعلم : هو رفع على الإهمال.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

لما رأى وجوه الرفع كأنها لا توضح المعنى الذي قصدوه ذهب إلى رفعه بغير شيء، كما قد يرفع التجرد والعرو عن العوامل الابتداء.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والوجه عندي أنه مفعول لم يسم فاعله، على أن يجعل " إبراهيم " غير دال على الشخص، بل تجعل النطق به دالا على بناء هذه اللفظة، وهذا كما تقول: "زيد وزن فعل"، أو "زيد ثلاثة أحرف"، فلم تدل بوجه على الشخص بل دللت بنطقها على نفس اللفظة، وعلى هذه الطريقة تقول: "قلت إبراهيم "، ويكون مفعولا صحيحا أنزلته منزلة قول وكلام فلا يتعذر بعد ذلك أن يبنى الفعل فيه للمفعول.

[ ص: 177 ] وقوله: على أعين الناس يريد: في محفل وبمحضر الجمهور، وقوله: "يشهدون" يحتمل أن يراد به الشهادة عليه، يريدون بفعله أو بقوله: لأكيدن أصنامكم ، ويحتمل أن يراد به المشاهدة، أي: يشاهدون عقوبته أو غلبته المؤدية إلى عقوبته، المعنى: فجاء إبراهيم عليه السلام حين أتي به فقالوا له: أأنت فعلت هذا بالآلهة؟ فقال لهم إبراهيم عليه السلام : بل فعله كبيرهم هذا، على جهة الاحتجاج عليهم، أي أنه غار من أن يعبد هو ويعبد الصغار معه ففعل هذا بها لذلك. وقالت فرقة هي الأكثر: إن هذا الكلام قاله إبراهيم عليه السلام لأنها كذبة في ذات الله تؤدي إلى خزي قوم كافرين. والحديث الصحيح يقتضي ذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله: "إني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا"، وقوله للمليك: "هي أختي . ثم تطرق إلى موضع خزيهم بقوله: قال بل فعله كبيرهم على جهة التوقيف.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وذهبت فرقة إلى نفي الكذب عن هذه المقالات. وقالت فرقة: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ... أي لم يقل كلاما ظاهره الكذب، أو يشبه الكذب، وذهبت إلى تخريج هذه المقالات، فخرجت هذه الآية على معنى أنه أراد تعليق فعل الكبير بنطق الآخرين، كأنه قال: بل هو الفاعل إن نطق هؤلاء، ولم يجزم الخبر على أن الكبير فعل هذا، وفي الكلام تقديم - على هذا التأويل - في قوله: "فسئلوهم". وذهب الفراء إلى جهة أخرى بأن قال: قوله "فعله" ليس من الفعل، [ ص: 178 ] وإنما هو: "فلعله" على جهة التوقع، حذف اللام، على قولهم: "عله" بمعنى "لعله" ثم خففت اللام.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا تكلف.

التالي السابق


الخدمات العلمية