الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            9844 وعن عمير بن إسحاق قال : قال جعفر : يا رسول الله ، ائذن لي أن آتي أرضا أعبد الله فيها لا أخاف أحدا . [ ص: 28 ] قال : فأذن له فيها فأتى النجاشي ، قال عمير : حدثني عمرو بن العاص قال : لما رأيت جعفرا وأصحابه آمنين بأرض الحبشة حسدته ، قلت : لا تستقبلن لهذا وأصحابه فأتيت النجاشي ، فقلت : ائذن لعمرو بن العاص ، فأذن لي ، فدخلت ، فقلت : إن بأرضنا ابن عم لهذا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنا والله إن لم ترحنا منه وأصحابه لا قطعت إليك هذه النطفة ، ولا أحد من أصحابي أبدا . فقال : وأين هو ؟ قلت : إنه يجيء مع رسولك ; إنه لا يجيء معي ، فأرسل معي رسولا فوجدناه قاعدا بين أصحابه ، فدعاه فجاء فلما أتيت الباب ، ناديت : ائذن لعمرو بن العاص ، ونادى خلفي : ائذن لحزب الله عز وجل . فسمع صوته ، فأذن له قبلي ، فدخل ودخلت ، وإذا النجاشي على السرير قال : فذهبت حتى قعدت بين يديه ، وجعلته خلفي ، وجعلت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي ، فقال النجاشي : نجروا - قال عمرو : يعني تكلموا - قلت : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا ، ويزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أنا ولا أحد من أصحابي أبدا ، قال جعفر : صدق ابن عمي وأنا على دينه قال : فصاح صياحا ، وقال : أوه . حتى قلت : ما لابن الحبشية لا يتكلم ؟ ! وقال : أناموس ، كناموس موسى ؟ قال : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ قال : أقول هو روح الله وكلمته . قال : فتناول شيئا من الأرض ، فقال : ما أخطأ في أمره مثل هذا ، فوالله لولا ملكي لاتبعتكم ، وقال لي : ما كنت أبالي أن لا تأتيني أنت ، ولا أحد من أصحابك أبدا . أنت آمن بأرضي من ضربك قتلته ، ومن سبك غرمته ، وقال لآذنه : متى استأذنك هذا فائذن له إلا أن أكون عند أهلي ، فإن أتى فأذن له .

                                                                                            قال : فتفرقنا ولم يكن أحد أحب إلي أن ألقاه من جعفر قال : فاستقبلني من طريق مرة ، فنظرت خلفه فلم أر أحدا ، فنظرت خلفي فلم أر أحدا ، فدنوت منه ، وقلت : أتعلم أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ؟ قال : فقد هداك الله فاثبت ، فتركني وذهب ، فأتيت أصحابي فكأنما شهدوه معي ، فأخذوا قطيفة أو ثوبا فجعلوه علي حتى غموني بها قال : وجعلت أخرج رأسي من هذه الناحية مرة ومن هذه الناحية مرة حتى أفلت ، وما علي قشرة ، فمررت على حبشية ، فأخذت قناعها ، فجعلته على عورتي ، فأتيت جعفرا فدخلت عليه ، فقال : ما لك ؟ فقلت : أخذ كل شيء لي [ ص: 29 ] ما ترك علي قشرة فأتيت حبشية ، فأخذت قناعها ، فجعلته على عورتي ، فانطلق وانطلقت معه حتى انتهينا إلى باب الملك ، فقال جعفر لآذنه : استأذن لي . قال : إنه عند أهله فأذن له ، فقلت : إن عمرا تابعني على ديني قال : كلا ، قلت : بلى ، فقال لإنسان : اذهب معه فإن فعل فلا تقل شيئا إلا كتبته قال : فجاء ، فقال : نعم ، فجعلت أقول وجعل يكتب حتى كتب كل شيء حتى القدح قال : ولو شئت آخذ شيئا من أموالهم إلى مالي فعلت . رواه الطبراني ، والبزار .

                                                                                            وصدر الحديث في أوله له ، وزاد في آخره قال : ثم كنت بعد من الذين أقبلوا في السفن مسلمين
                                                                                            . وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره ، وفيه كلام لا يضر ، وبقية رجاله رجال الصحيح . وروى أبو يعلى بعضه ثم قال : فذكر الحديث بطوله .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية