الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 8 ) باب تطهير النجاسات

الفصل الأول

490 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " . متفق عليه .

وفى رواية لمسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات ، أولاهن بالتراب ) .

التالي السابق


[ 8 ] - باب تطهير النجاسات

أي : الحقيقية بالماء وغيره .

الفصل الأول

490 - ( عن أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا شرب الكلب في إناء أحدكم ) : ضمن شرب معنى ولغ ، فعدي تعديته في النهاية : ولغ الكلب إذا شرب بلسانه ( " فليغسله " ) : أي : ذلك الإناء ( سبع مرات ) : فيه حجة لمالك لغسله سبعا من غير تراب ، لكن تعبدا لا لكونه نجسا ( متفق عليه ) .

[ ص: 460 ] ( وفي رواية لمسلم قال : طهور ) : بضم الطاء وتفتح .

قال النووي : الأشهر فيه ضم الطاء ، ويقال : بفتحها لغتان نقله السيد . وقال ابن الملك : بضم الطاء بمعنى التطهر أو الطهارة ( إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ) : قال الطيبي : هو مبتدأ ، والظرف معمول له ، والخبر ( أن يغسله سبع مرات ، أولاهن بالتراب ) : أي : معهن ، وفي رواية أخرى : إحداهن بالتراب . قال ابن حجر : وهي صحيحة أيضا على ما ذكره النووي في بعض كتبه ، لكن بين في محل آخر أن في سندها ضعيفا ومجهولا ، وفي رواية صحيحة : أولاهن أو أخراهن بالتراب ، وأو فيها للشك ، كما بينه البيهقي وغيره . وفي أخرى صحيحة أيضا : " وعفروه الثامنة بالتراب " أخذ بظاهرها أحمد وغيره ، وقيل : لا تعارض ; لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل ، إذ الأولى أحب من غيرها اتفاقا ، وحمل رواية السابعة على الجواز ، ورواية إحداهن على الإجزاء . قال ابن الملك : فيجب استعمال الطهورين في ولوغ الكلب ; لكون نجاسته أغلظ النجاسات ، ولو ولغ كلبان أو كلب واحد سبع مرات . فالصحيح أنه يكفي للجميع سبع ، وهذا مذهب الشافعي . وعند أبي حنيفة : يغسل من ولوغه ثلاثا بلا تعفير كسائر النجاسات . وفي شرح السنة مذهب أكثر المحدثين : أنه إذا ولغ في ماء أو مائع يغسل سبع مرات إحداهن مكدرة بالتراب ، وفي الشرح الكبير ، عن مالك : لا يغسل من غير الولوغ ; لأن الكلب طاهر عنده ، والغسل من الولوغ تعبد ، وقال أصحاب أبي حنيفة : لا عدد في غسله ولا تعفير ، بل هو كسائر النجاسات ، وفي صحيح البخاري عن عطاء : لا يرى بشعر الإنسان بأسا أن يتخذ منه الخيوط والحبال ، وبسؤر الكلاب وممرها في المسجد ، وقال الزهري : إذا ولغ في الإناء وليس له وضوء غيره يتوضأ به . وقال سفيان : هذا الفقه بعينه ، يقول الله تعالى : فلم تجدوا ماء وفي التفسير منه شيئا يتوضأ ويتيمم اهـ .

وقال ابن الهمام : روى الدارقطني ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام ، في الكلب يلغ في الإناء يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا . رواه ابن عربي مرفوعا : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدهم فليهرقه ، وليغسله ثلاث مرات " ورواه الدارقطني بسند صحيح عن عطاء موقوفا على أبي هريرة : أنه كان إذا ولغ في الإناء أهراقه ثم غسله ثلاث مرات . وحينئذ فيعارض حديث السبع ، ويقدم عليه ; لأن مع حديث السبع دلالة التقدم للعلم بما كان من التشديد في أمر الكلاب أول الأمر ، حتى أمر بقتلها ، والتشديد في سؤرها يناسب كونه إذ ذاك ، وقد ثبت نسخ ذلك ، فإذا عارض قرينته معارض كان التقدم له ، فالأمر الوارد بالسبع محمول على الابتداء ، مع أن في عمل أبي هريرة على خلاف حديث السبع - وهو رواية - كفاية لاستحالة أن يترك القطعي للراوي منه ، وهذا لأن ظنية خبر الواحد إنما هو بالنسبة إلى غير راويه ، فأما بالنسبة إلى راويه الذي سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقطعي حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة في معناه ، فلزم أنه لا يتركه إلا لعلمه بالناسخ ؛ إذ القطعي لا يتركه بمنزلة روايته للناسخ ، بل أشبه فيكون الآخر بالضرورة .




الخدمات العلمية