الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 374 ] كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                إذا حضر أحدكم الموت : إذا دنا منه وظهرت أماراته، "خيرا" مالا كثيرا، عن عائشة - رضي الله عنها-: أن رجلا أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار، فقالت: ما أرى فيه فضلا، وأراد آخر أن يوصي فسألته: كم مالك ؟ فقال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: إنما قال الله: إن ترك خيرا وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك.

                                                                                                                                                                                                وعن علي -رضي الله عنه -: أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة فمنعه، وقال: قال الله تعالى: إن ترك خيرا : والخير هو المال، وليس لك [ ص: 375 ] مال، والوصية فاعل كتب، وذكر فعلها للفاصل، ولأنها بمعنى أن يوصي، ولذلك ذكر الراجع في قوله: فمن بدله بعدما سمعه والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث" وبتلقي الأمة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر، وإن كان من الآحاد; [ ص: 376 ] [ ص: 377 ] لأنهم لا يتلقون بالقبول إلا الثبت الذي صحت روايته، وقيل: لم تنسخ، والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين، وقيل: ما هي بمخالفة لآية المواريث، ومعناها: [ ص: 378 ] كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم [النساء: 11] أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم، وأن لا ينقص من أنصبائهم.

                                                                                                                                                                                                "بالمعروف": بالعدل، وهو أن لا يوصي للغني ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث "حقا": مصدر مؤكد، أي حق ذلك حقا، فمن بدله : فمن غير الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود بعدما سمعه : وتحققه فإنما إثمه على الذين يبدلونه : فما إثم الإيصاء المغير أو التبديل إلا على مبدليه دون غيرهم من الموصي والموصى له; لأنهما بريان من الحيف، إن الله سميع عليم : وعيد للمبدل، فمن خاف : فمن توقع وعلم، وهذا في كلامهم شائع يقولون: أخاف أن ترسل السماء، يريدون التوقع والظن الغالب الجاري مجرى العلم "جنفا": ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية، أو إثما : أو تعمدا للحيف فأصلح بينهم : بين الموصى لهم - وهم الوالدان والأقربون - بإجرائهم على طريق الشرع فلا إثم عليه : حينئذ; لأن تبديله تبديل باطل إلى حق، ذكر من يبدل بالباطل ثم من يبدل بالحق؛ ليعلم أن كل تبديل لا يؤثم.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية