الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فرح الله بتوبة العبد

ألا ترى إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لله أفرح بتوبة العبد من أحدكم ضلت راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه في فلاة من الأرض فضرب يمينا وشمالا في طلبها فلم يجدها فوطن نفسه على الموت وقال أذهب [ ص: 146 ] إلى ذلك المكان الذي ضلت فيه راحلتي فرجع إليها فوجدها قائمة هناك

ومن السرور بعباده يباهي بعمل الآدمي للملائكة ويفتخر به فيهم فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي فهو لفرحه بتوبة العبد وبأعماله يباهي به الملائكة

وما جاء أنه يباهي بأهل عرفات ويقول عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق

فحق على من عقل هذا أن يطلب في الأمور بجهده مسراته فيطلب زينة الأمور فإن لكل شيء زينة وكسوة وقد يرى الأشياء العارف كيف يتضاعف حسنها إذا كسيت وزينت وطيبت والمحب لربه لا يرضى أن يعمل له على خبث النفس والكراهة والعسر والتثاقل والنكر والعبوس بل يتوخى في كل أمر التسارع والخفة والسبق والهشاشة والسماحة والانطلاق واليسر [ ص: 147 ] فإن لم يجد هذا في وقت عظمت عليه المصيبة في ذلك الوقت وعده نقصا عظيما دخل عليه فينظر من أين جاء هذا فيحتال أن ينحيه وينفيه

ألا ترى إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما حيث جاء المؤذن فقال الصلاة فقال ابن عباس رضي الله عنهما إن لنا شواء في التنور فإن تنتظر لنا وإلا فاذهب فصل

فهذا عين ما قلنا كره ابن عباس رضي الله عنهما وعظم عليه أن يجيب المؤذن إلى الصلاة ومعه شهوة الشواء فيدخل في الصلاة ومعه شهوة الشواء فتخبث عليه نفسه في حال القيام بين يدي الله تعالى ومناجاته والعرض عليه وتسليم النفس إليه والاعتذار إليه من التقصير والهفوات فعظم عنده أن تكون نفسه في ذلك الوقت تزاحمه في شهواتها التي قد أحست بنوالها وأشرفت عليها فكان الأمر عنده أن يسكنها بما استشرفت له من الأكل حتى يقوم بين يدي الله تعالى وليس هناك منازع ولا مدعى شغله عن أمره فهذه صدمة النفس

[ ص: 148 ] وكذلك روي لنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يتعشى في ربض قبل المغرب فإنما حمله على ذلك فيما نرى ما وصفنا لئلا يدخل الصلاة ونفسه تنازعه إلى العشاء

وكذلك الذي فعل ابن عباس رضي الله عنهما حيث اشترى رداء بألف درهم فكان يصلي فيه توخيا بذلك 65 أن يخف عليه الولاء كي لا تعجز النفس عن الحمل الثقيل على النفس

وكذلك قيل للزبير رضي الله عنه ما بالكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة قال إنا نبادر الوسواس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجز الناس صلاة في تمام حدثنا بذلك صالح بن محمد أخبرنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فهذا شأن أعمال المحبين لله تعالى في كل أمر مع الزينة والبهاء يطلب فيه محاب الله تعالى في كل وقت من ذلك الفعل لأنه في كل أمر له حقوق كثيرة فهو إنما يشفق على تلك الحقوق لئلا يستخف بها فيعمله على التعظيم له وعلى السماحة بنفسه [ ص: 149 ] وعلى السعة وعلى توقي دخول الخلل وعلى الوفارة وتلكئ الإتمام ومع هذا كله قلبه إلى موافقته هل وافق مسرته وهل رضي بذلك ومع ذلك يعلم إن وافق ورضي به أنه مع التقصير جدا يستحي منه جدا وأنه عاجز أن يبلغ مدى ما هو أهله من ذلك ولا يلتفت إلى ثواب في ذلك أبدا وربما فتح عليه باب محبته لا أعني محبة العبد ولكن محبة الله تعالى فإذا فتح لك ذلك الباب كان في ذلك العمل كالسابح في البحر الذي قد تراءى له الساحل وقرت عينه فهو يسبح في نشاط وسرور بالساحل .وهو يضطرب في ذلك الماء الصافي

فهذا العبد إذا هاجت منه تلك المحبة التي فتح له بابها صار يتقد كالنار جوفه فصب عليه الرحمة صبا فهو يتقلب في برد الرحمة قد أصابه روحها ورطوبتها ولينها وهو يسبح فيها وقد شم رياحين الياسمين والبساتين التي على الساحل لأنه يسبح إليها فيتلقاها فيشمها

التالي السابق


الخدمات العلمية