الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      المصلي يكون بينه وبين الإمام سترة

                                                                                                      762 أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرة يبسطها بالنهار ويحتجرها بالليل فيصلي فيها ففطن له الناس فصلوا بصلاته وبينه وبينهم الحصيرة فقال اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومه وإن قل ثم ترك مصلاه ذلك فما عاد له حتى قبضه الله عز وجل وكان إذا عمل عملا أثبته

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      762 ( اكلفوا من العمل ما تطيقون ) بفتح اللام يقال : كلفت بهذا الأمر أكلف به إذا أولعت به وأحببته ( فإن الله لا يمل حتى تملوا ) بفتح الميم في الفعلين ، والملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته ، وهو محال على الله - تعالى - باتفاق ، قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين : إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازا كما قال - تعالى - : وجزاء سيئة سيئة مثلها وأنظارها ، قال القرطبي : وجه مجازه أنه تعالى [ ص: 69 ] لما قطع ثوابه عن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال ، من باب تسمية الشيء باسم سببه وقال الهروي : معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهدوا في الرغبة إليه ، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية ، وما يترتب عليها من المفهوم ، وجنح بعضهم إلى تأويلها ، فقيل : معناه : لا يمل الله إذا مللتم ، وهو مستعمل في كلام العرب يقولون : لا يفعل كذا حتى يبيض القار أو حتى يشيب الغراب ، ومنه قولهم في البليغ : لا ينقطع حتى ينقطع خصومه ؛ لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية ، وهذا المثال أشبه من الذي قبله ؛ لأن شيب الغراب ليس ممكنا عادة بخلاف الملال من العابد ، وقال المازري قيل : إن حتى هنا بمعنى الواو فيكون التقدير : لا يمل وتملون ، فنفى عنه الملال وأثبته لهم قال : وقيل : حتى بمعنى حين ، والأول أليق وأحرى على القواعد ، وأنه من باب المقابلة اللفظية ، وقال ابن حبان في صحيحه : هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها ، وهذا رأيه في جميع المتشابه ( وإن أحب الأعمال إلى الله أدومه ) قال ابن العربي : معنى المحبة من الله - تعالى - تعلق الإرادة بالثواب ، أي أكثر الأعمال ثوابا أدومها وإن قل ، قال النووي : لأن بدوام القليل يستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله بخلاف الكثير الشاق ، حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة ، وقال ابن الجوزي : إنما أحب الدائم لمعنيين : أحدهما : أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصول فهو متعرض لهذا ؛ ولهذا أورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها ، وإن كان قبل حفظها لا تتعين عليه ، والثاني : أن مداوم الخير ملازم الخدمة ، وليس من لازم [ ص: 70 ] [ ص: 71 ] [ ص: 72 ] الباب في كل يوم وقتا ما كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع




                                                                                                      الخدمات العلمية