الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            25 - 11 - ( باب الهجرة إلى المدينة )

                                                                                            9902 عن عروة قال : ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الحج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارج ، وعلموا أن الله قد جعل له بالمدينة مأوى ومنعة ، وبلغهم إسلام الأنصار ومن خرج إليهم من المهاجرين ، فأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإما أن يقتلوه ، وإما أن يسجنوه ، أو يسحبوه - شك عمرو بن خالد - وإما أن يخرجوه ، وإما أن يوثقوه ، فأخبره الله عز وجل بمكرهم فقال تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وبلغه ذلك اليوم الذي أتى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار أبي بكر أنهم مبيتوه إذا أمسى على فراشه ، وخرج من تحت الليل هو وأبو بكر قبل الغار بثور ، وهو الغار الذي ذكره الله عز وجل في القرآن ، وعمد علي بن أبي طالب فرقد على فراشه يواري عنه العيون ، وبات المشركون من قريش يختلفون ويأتمرون أن نجثم على صاحب الفراش فيوثقه ؟ فكان ذلك حديثهم حتى أصبحوا ، فإذا علي يقوم عن الفراش فسألوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهم أنه لا علم له به ، فعلموا عند ذلك أنه خرج ، فركبوا في كل وجه يطلبونه ، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم [ ص: 52 ] ويجعلون لهم الجعل العظيم ، وأتوا على ثور الذي فيه الغار الذي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر حتى طلعوا فوقه ، وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصواتهم فأشفق أبو بكر عند ذلك وأقبل على الهم والخوف ، فعند ذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تحزن إن الله معنا " . ودعا فنزلت عليه سكينة من الله عز وجل : فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وكانت لأبي بكر منحة تروح عليه وعلى أهله بمكة ، فأرسل أبو بكر عامر بن فهيرة مولى أبي بكر أمينا مؤتمنا حسن الإسلام فاستأجر رجلا من بني عبد بن عدي يقال له : ابن الأريقط كان حليفا لقريش في بني سهم من بني العاص بن وائل ، وذلك يومئذ العدوي مشرك ، وهو هاد بالطريق فخبأ بأظهرنا تلك الليالي ، وكان يأتيهما عبد الله بن أبي بكر حين يمسي بكل خبر يكون في مكة ، ويريح عليهما عامر بن فهيرة الغنم في كل ليلة فيحلبان ويذبحان ثم يسرح بكرة ، فيصبح في رعيان الناس ، ولا يفطن له ، حتى إذا هدأت عنهم الأصوات وأتاهما أن قد سكت عنهما جاءا صاحبهما ببعيريهما ، وقد مكثا في الغار يومين وليلتين ثم انطلقا وانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يحديهما ويخدمهما ويعينهما يردفه أبو بكر ، ويعقبه على راحلته ليس معه أحد من الناس غير عامر بن فهيرة ، وغير أخي بني عدي يهديهم الطريق . رواه الطبراني مرسلا ، وفيه ابن لهيعة ، وفيه كلام ، وحديثه حسن .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية