الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( 79 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز وبعض البصريين : ( بما كنتم تعلمون ) بفتح " التاء " وتخفيف " اللام " يعني : بعلمكم الكتاب ودراستكم إياه وقراءتكم . [ ص: 545 ]

واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك ، بأن الصواب كذلك ، لو كان التشديد في " اللام " وضم " التاء " لكان الصواب في : " تدرسون " بضم " التاء " وتشديد " الراء " .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) بضم " التاء " من " تعلمون " وتشديد " اللام " بمعنى : بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إياه .

واعتلوا لاختيارهم ذلك ، بأن من وصفهم بالتعليم ، فقد وصفهم بالعلم ، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون . قالوا : ولا موصوف بأنه " يعلم " إلا وهو موصوف بأنه " عالم " . قالوا : فأما الموصوف بأنه " عالم " فغير موصوف بأنه معلم غيره . قالوا : فأولى القراءتين بالصواب أبلغهما في مدح القوم ، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب ، كما : -

7320 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد أنه قرأ : " بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " مخففة بنصب " التاء " وقال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه !

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأه بضم " التاء " وتشديد " اللام " . لأن الله - عز وجل - وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم ، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية .

يقول - جل ثناؤه - : " ولكن كونوا ربانيين " على ما بينا قبل من معنى " الرباني " [ ص: 546 ] ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم .

و " دراستهم " إياه : تلاوته .

وقد قيل : " دراستهم " الفقه .

وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا : من تلاوة الكتاب ، لأنه عطف على قوله : " تعلمون الكتاب " " والكتاب " هو القرآن ، فلأن تكون الدراسة معنيا بها دراسة القرآن ، أولى من أن تكون معنيا بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر .

ذكر من قال ذلك :

7321 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : قال يحيى بن آدم قال : أبو زكريا : كان عاصم يقرؤها : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) ، قال : القرآن ( وبما كنتم تدرسون ) ، قال : الفقه .

فمعنى الآية : ولكن يقول لهم : كونوا ، أيها الناس ، سادة الناس ، وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم ، ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام ، وفرض وندب ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم ، وبتلاوتكم إياه ودراستكموه .

التالي السابق


الخدمات العلمية