باب عن صلاة الجمعة عن الأعرج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبي هريرة اليهود غدا والنصارى بعد غد وعن نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع عن همام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم مثله إلا أنه قال فهذا يومهم وقال فهم لنا فيه تبع أبي هريرة فاليهود غدا زاد في رواية ونحن أول من يدخل الجنة وفي رواية له بيد أن كل أمة أوتيت وزاد فيها ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا مسلم
- حديث نحن الآخرون السابقون يوم القيامة
- حديث بينا هو قائم يخطب يوم الجمعة
- حديث من جاء منكم الجمعة فليغتسل
- حديث التبكير إلى الجمعة
- حديث دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب
- حديث إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت
- حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين
- حديث في ساعة الإجابة يوم الجمعة
التالي
السابق
(باب صلاة الجمعة)
(الحديث الأول) عن عن الأعرج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع أبي هريرة اليهود غدا والنصارى بعد غد وعن عن همام عن رسول [ ص: 152 ] الله صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال أبي هريرة فاليهود غدا (فيه) فوائد : فهذا يومهم وقال فهم لنا فيه تبع
(الأولى) أخرجه من الطريق الأولى ومن طريق البخاري شعيب بن أبي حمزة من طريق ومسلم كلاهما عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج وفي رواية أبي هريرة بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب وفيها ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا وقال مسلم في سننه لعل عليهم أصح لموافقة البيهقي شعيب بن أبي حمزة على ذلك ثم رواه من طريق ومالك بن أنس عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن الأعرج مثل حديث أبي هريرة إلا أنه قال فهذا يومهم الذي افترض عليهم وأخرجه من الطريق الثانية شعيب بن أبي حمزة عن مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام . أبي هريرة
وأخرج الشيخان في تعبير الرؤيا من صحيحيهما من هذا الوجه الحديث . نحن الآخرون السابقون وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضع في يدي سواران
وأخرجه من طريق مسلم عن الأعمش عن أبي صالح بلفظ نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له قال يوم الجمعة فاليوم لنا وغدا أبي هريرة لليهود وبعد غد للنصارى .
(الثانية) قوله نحن الآخرون بكسر الخاء أي في الزمان والوجود وإعطاء الكتاب وقوله السابقون يوم القيامة أي بالفضل ودخول الجنة وفصل القضاء فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم وقد صرح بذلك في قوله في رواية ونحن أول من يدخل الجنة والتقيد بيوم القيامة يرد قول من قال إن المراد سبقهم بيوم الجمعة على الأيام بعده التي هي تبع له [ ص: 153 ] وقول من قال إن المراد سبقهم بالقبول والطاعة التي حرموها وقالوا سمعنا وعصينا وصح وصف هذه الأمة بالآخرية والسبق باعتبارين فلما اختلف الاعتبار لم يكن في ذلك تناف فإن قلت كون هذه الأمة آخر الأمم أمر واضح فما فائدة الإخبار به ؟ قلت يحتمل أنه ذكر توطئة لوصفهم بالسبق يوم القيامة وأنه لا يتخيل من تأخرهم في الزمن تأخرهم في الحظوظ الأخروية بل سابقون فيها ويحتمل أن يراد بذلك الدلالة على أنهم آخر الأمم وأن شريعتهم باقية إلى آخر الدهر ما دام التكليف موجودا لمسلم وهذا الاحتمال أمكن من الأول لأنه يكون حينئذ في وصفهم بالآخرية شرف كما أن في وصفهم بالسبق شرفا وعلى الأول يكون ذكره مجرد توطئة والله أعلم . فسائر الأمم وإن سبقوا لكن انقطعت شرائعهم ونسخت بخلاف هذه الأمة فإن شريعتها باقية مستمرة
(الثالثة) قوله بيد بفتح الباء الموحدة وإسكان الياء المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وحكى بعضهم أنه يقال فيها ميد بالميم والمشهور أنها بمعنى غير وقد جزم بذلك في الصحاح وقال يقال هو كثير المال بيد أنه بخيل وذكر في المحكم مثل ذلك عن حكاية ثم قال وقيل هي بمعنى على حكاه ابن السكيت والأول أعلى وحكى في المشارق قولا آخر أنها بمعنى إلا ثم قال وقد تأتي بمعنى من أجل ومنه قوله صلى الله عليه وسلم بيد أني من أبو عبيد قريش وقد قيل ذلك في الحديث الأول وهو بعيد انتهى وأنشدوا على مجيئها بمعنى من أجل قول الشاعر
واعلم أن الحديث في مسند من طريق الشافعي عند طاوس بلفظ بيد كما هو الرواية المشهورة من طريق أبي هريرة عن أبي الزناد ومن طريق الأعرج محمد بن عمرو عن كلاهما عن أبي سلمة بلفظ بأيد واختلفت النسخ في ضبطه ففي بعضها مفتوح الآخر مثل بيد إلا أنه زاد ألفا بكسر الباء فكسر لذلك الياء لالتقاء الساكنين وفي بعضها بأيد ومعناه بقوة كما حكاه القاضي عن بعض رواة أبي هريرة والأول هو الذي ذكره في النهاية فقال وجاء في بعض الروايات بأيد أنهم ولم أره في اللغة بهذا المعنى ثم قال وقال بعضهم إنها بأيد أي بقوة ورواه مسلم في سننه من غير وجه عن البيهقي عن ابن عيينة بلفظ بأيد وهو مضبوط في الأصل بفتح آخره أبي الزناد لما رواه كذلك من طريق والشافعي رواه عن أبي الزناد عنه . ابن عيينة
(الرابعة) قوله أوتوا الكتاب أي أعطوه قال أبو العباس القرطبي والكتاب التوراة ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل بدليل أنه قد ذكر بعد هذا اليهود
[ ص: 155 ] والنصارى قلت وهذا أظهر ويحتمل أن يراد جنس الكتب ليتناول الزبور وغيره ويدل لهذا قوله في رواية "بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا " والمراد الأمم الذين أوتوا الكتب ويحتمل أن يراد بكل أمة مسلم اليهود والنصارى خاصة بدليل بقية الحديث في قوله اليهود غدا والنصارى بعد غد ويدل على إرادة جنس الكتاب قوله وأوتيناه من بعدهم حيث أعاد الضمير في قوله وأوتيناه على الكتاب فلو أريد به التوراة لما صح الإخبار بأنا أوتيناه حيث أعاد الضمير في قوله فدل على أن المراد الجنس ولعل هذا أرجح والله أعلم .
(الخامسة) ظاهر قوله ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم أنه فرض على اليهود يوم الجمعة بعينه وقال ليس فيه دليل أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام يكون ذلك اليوم ولم يهدهم الله تعالى إلى يوم الجمعة وادخره لهذه الأمة وهداهم له تفضلا منه عليهم ففضلت به على سائر الأمم إذ هو خير يوم طلعت فيه الشمس وفضله الله بساعة يستجاب فيها الدعاء انتهى . ابن بطال
وحكى هذا الكلام عن بعض المشايخ فجاء القاضي عياض النووي .
وفي شرح فحكاه عن القاضي نفسه وقد عرفت أنه إنما حكاه عن غيره وما أبرد قوله لا يجوز لأحد أن يترك فرض الله عليه وهو كذلك لكنهم تركوا وفعلوا ما لا يجوز فلذلك ذموا ثم قال مسلم وجاء في بعض الأخبار أن القاضي عياض موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل فقال الله له دعهم وما اختاروا قال ويستدل على هذا بقوله الذي كتبه الله علينا .
وقوله فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ولو كان منصوصا عليه لم يصح اختلافهم بل كان يقول خالفوا فيه انتهى وقد عرفت أن رجح الرواية التي فيها عليهم وبتقدير أن لا يجعل لإحدى الروايتين ترجيحا على الأخرى فهما معا صحيحتان وقد كتب عليهم وعلينا وأما قوله لو كان منصوصا عليه لم يصح اختلافهم فجوابه أنه لم يقل إنهم اختلفوا بحق بل بعضهم اتبع الحق وبعضهم حاد عنه فصح أنهم اختلفوا فيه وفي التنزيل البيهقي ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر
على [ ص: 156 ] أنه قد يقع الاختلاف بحق في المنصوص عليه عند معارضة نص آخر وإذا يعلم أحد المختلفين بالنص وقال النووي معترضا على كلام القاضي ويمكن أن يكونوا أمروا به صريحا ونص على عينه فاختلفوا فيه هل يلزم بعينه أم لهم إبداله فأبدلوه وغلطوا في إبداله ؟
قلت وهذا كما وقع لهم في الصوم على أحد القولين أنه فرض عليهم صيام شهر رمضان بعينه فأبدلوه بغيره ونقلوا إلى فصل معتدل مع زيادة أيام ، فالظاهر الأرجح أنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فخالف فيه بعضهم بغير حق ، ما ندري بالإبدال أو غيره فإن أوجه الغلط والمخالفة كثيرة والله أعلم .
(السادسة) فإن قلت ما معنى افتراض اليوم عليهم وكيف يصح وصفه بأنه فرض ؟ قلت لا بد فيه من حذف ؛ إما افتراض تعظيمه وإما افتراض عبادة فيه ، إما هذه العبادة المخصوصة المشروعة لنا وإما غيرها
(السابعة) قال القاضي عياض والنووي فيه دليل لوجوب الجمعة أي في قوله في رواية هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا له وكذا استدل به مسلم في صحيحه على البخاري مع أن لفظه فرض عليهم فإن قلت إن أرادوا صلاة الجمعة على الوجه المخصوص فكيف صح الاستدلال له بهذا الحديث وليس فيه تعيين شيء ؟ قلت لما ذكر في الحديث أن المكتوب علينا هدينا له والذي عرفنا من شرعنا هدايتنا له هو الصلاة على الوجه المخصوص مع ما لذلك من سوابق ولواحق دل ذلك على أن هذا هو المكتوب علينا والله أعلم . فرض الجمعة
(الثامنة) وفيه فضيلة ظاهرة لهذه الأمة .
(التاسعة) قوله اليهود غدا قال القاضي عياض والنووي أي عيد اليهود غدا لأن ظروف الزمان لا تكون إخبارا عن الجثث فيقدر فيه معنى ليمكن كونه خبرا وقال أبو العباس القرطبي تقديره اليهود يعظمون غدا والنصارى بعد غد انتهى والأول أرجح وأوفق لكلام أهل العربية وأقل تقديرا وتكلفا
(العاشرة) قال أبو العباس القرطبي في كون اليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى أي بعد التزام المشروعية بالتعيين لنا وبالاختيار لهم قلت ويحتمل أن كون الغد لليهود وبعد الغد للنصارى بفعلهم وزعمهم وتبديلهم لا بمشروعية ذلك بتفويض الاختيار فيه إليهم فإنه لا دليل عليه والله أعلم .
(الحادية عشرة) [ ص: 157 ] قال فيه دليل على فساد تعلق المازري اليهود والنصارى بالقياس في هذا الموضع لأن اليهود عظمت السبت لما كان فيه فراغ الخلق وظنت ذلك فضيلة توجب تعظيم اليوم النصارى الأحد لما كان فيه ابتداء الخلق واتبع المسلمون الوحي والشرع الوارد بتعظيم يوم الجمعة فعظموه وعظمت
(الثانية عشرة) إن قلت ما معنى قوله فالناس لنا فيه تبع ؟ قلت الظاهر أن معناه إنا فمن فعل ذلك فهو تبع لنا وفي صحيح أول من هداه الله للجمعة وأقام أمرها وعظم حرمتها وغيره عن مسلم أبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذيفة لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد فلذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم وفي رواية بينهم قبل الخلائقورواه أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان في مسنده بلفظ المغفور لهم قبل الخلائق ويحتمل أن يستدل به على أن الجمعة أول الأسبوع ولا أعلم قائلا به والله أعلم . البزار
(الحديث الأول) عن عن الأعرج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع أبي هريرة اليهود غدا والنصارى بعد غد وعن عن همام عن رسول [ ص: 152 ] الله صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال أبي هريرة فاليهود غدا (فيه) فوائد : فهذا يومهم وقال فهم لنا فيه تبع
(الأولى) أخرجه من الطريق الأولى ومن طريق البخاري شعيب بن أبي حمزة من طريق ومسلم كلاهما عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج وفي رواية أبي هريرة بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب وفيها ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا وقال مسلم في سننه لعل عليهم أصح لموافقة البيهقي شعيب بن أبي حمزة على ذلك ثم رواه من طريق ومالك بن أنس عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن الأعرج مثل حديث أبي هريرة إلا أنه قال فهذا يومهم الذي افترض عليهم وأخرجه من الطريق الثانية شعيب بن أبي حمزة عن مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام . أبي هريرة
وأخرج الشيخان في تعبير الرؤيا من صحيحيهما من هذا الوجه الحديث . نحن الآخرون السابقون وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضع في يدي سواران
وأخرجه من طريق مسلم عن الأعمش عن أبي صالح بلفظ نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له قال يوم الجمعة فاليوم لنا وغدا أبي هريرة لليهود وبعد غد للنصارى .
(الثانية) قوله نحن الآخرون بكسر الخاء أي في الزمان والوجود وإعطاء الكتاب وقوله السابقون يوم القيامة أي بالفضل ودخول الجنة وفصل القضاء فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم وقد صرح بذلك في قوله في رواية ونحن أول من يدخل الجنة والتقيد بيوم القيامة يرد قول من قال إن المراد سبقهم بيوم الجمعة على الأيام بعده التي هي تبع له [ ص: 153 ] وقول من قال إن المراد سبقهم بالقبول والطاعة التي حرموها وقالوا سمعنا وعصينا وصح وصف هذه الأمة بالآخرية والسبق باعتبارين فلما اختلف الاعتبار لم يكن في ذلك تناف فإن قلت كون هذه الأمة آخر الأمم أمر واضح فما فائدة الإخبار به ؟ قلت يحتمل أنه ذكر توطئة لوصفهم بالسبق يوم القيامة وأنه لا يتخيل من تأخرهم في الزمن تأخرهم في الحظوظ الأخروية بل سابقون فيها ويحتمل أن يراد بذلك الدلالة على أنهم آخر الأمم وأن شريعتهم باقية إلى آخر الدهر ما دام التكليف موجودا لمسلم وهذا الاحتمال أمكن من الأول لأنه يكون حينئذ في وصفهم بالآخرية شرف كما أن في وصفهم بالسبق شرفا وعلى الأول يكون ذكره مجرد توطئة والله أعلم . فسائر الأمم وإن سبقوا لكن انقطعت شرائعهم ونسخت بخلاف هذه الأمة فإن شريعتها باقية مستمرة
(الثالثة) قوله بيد بفتح الباء الموحدة وإسكان الياء المثناة من تحت وفتح الدال المهملة وحكى بعضهم أنه يقال فيها ميد بالميم والمشهور أنها بمعنى غير وقد جزم بذلك في الصحاح وقال يقال هو كثير المال بيد أنه بخيل وذكر في المحكم مثل ذلك عن حكاية ثم قال وقيل هي بمعنى على حكاه ابن السكيت والأول أعلى وحكى في المشارق قولا آخر أنها بمعنى إلا ثم قال وقد تأتي بمعنى من أجل ومنه قوله صلى الله عليه وسلم بيد أني من أبو عبيد قريش وقد قيل ذلك في الحديث الأول وهو بعيد انتهى وأنشدوا على مجيئها بمعنى من أجل قول الشاعر
عمــــدا فعلــــت ذاك بيــــد أنـــي أخــــــاف إن هلكـــــت أن تـــــزني
وقد ذكر ابن مالك أن بيد في قوله عليه الصلاة والسلام بيد أني من قريش بمعنى غير مثل قولهولا عيــب فيهــم غــير أن ســيوفهم بهـــن فلـــول مــن قــراع الكتــائب
واعلم أن الحديث في مسند من طريق الشافعي عند طاوس بلفظ بيد كما هو الرواية المشهورة من طريق أبي هريرة عن أبي الزناد ومن طريق الأعرج محمد بن عمرو عن كلاهما عن أبي سلمة بلفظ بأيد واختلفت النسخ في ضبطه ففي بعضها مفتوح الآخر مثل بيد إلا أنه زاد ألفا بكسر الباء فكسر لذلك الياء لالتقاء الساكنين وفي بعضها بأيد ومعناه بقوة كما حكاه القاضي عن بعض رواة أبي هريرة والأول هو الذي ذكره في النهاية فقال وجاء في بعض الروايات بأيد أنهم ولم أره في اللغة بهذا المعنى ثم قال وقال بعضهم إنها بأيد أي بقوة ورواه مسلم في سننه من غير وجه عن البيهقي عن ابن عيينة بلفظ بأيد وهو مضبوط في الأصل بفتح آخره أبي الزناد لما رواه كذلك من طريق والشافعي رواه عن أبي الزناد عنه . ابن عيينة
(الرابعة) قوله أوتوا الكتاب أي أعطوه قال أبو العباس القرطبي والكتاب التوراة ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل بدليل أنه قد ذكر بعد هذا اليهود
[ ص: 155 ] والنصارى قلت وهذا أظهر ويحتمل أن يراد جنس الكتب ليتناول الزبور وغيره ويدل لهذا قوله في رواية "بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا " والمراد الأمم الذين أوتوا الكتب ويحتمل أن يراد بكل أمة مسلم اليهود والنصارى خاصة بدليل بقية الحديث في قوله اليهود غدا والنصارى بعد غد ويدل على إرادة جنس الكتاب قوله وأوتيناه من بعدهم حيث أعاد الضمير في قوله وأوتيناه على الكتاب فلو أريد به التوراة لما صح الإخبار بأنا أوتيناه حيث أعاد الضمير في قوله فدل على أن المراد الجنس ولعل هذا أرجح والله أعلم .
(الخامسة) ظاهر قوله ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم أنه فرض على اليهود يوم الجمعة بعينه وقال ليس فيه دليل أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام يكون ذلك اليوم ولم يهدهم الله تعالى إلى يوم الجمعة وادخره لهذه الأمة وهداهم له تفضلا منه عليهم ففضلت به على سائر الأمم إذ هو خير يوم طلعت فيه الشمس وفضله الله بساعة يستجاب فيها الدعاء انتهى . ابن بطال
وحكى هذا الكلام عن بعض المشايخ فجاء القاضي عياض النووي .
وفي شرح فحكاه عن القاضي نفسه وقد عرفت أنه إنما حكاه عن غيره وما أبرد قوله لا يجوز لأحد أن يترك فرض الله عليه وهو كذلك لكنهم تركوا وفعلوا ما لا يجوز فلذلك ذموا ثم قال مسلم وجاء في بعض الأخبار أن القاضي عياض موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل فقال الله له دعهم وما اختاروا قال ويستدل على هذا بقوله الذي كتبه الله علينا .
وقوله فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ولو كان منصوصا عليه لم يصح اختلافهم بل كان يقول خالفوا فيه انتهى وقد عرفت أن رجح الرواية التي فيها عليهم وبتقدير أن لا يجعل لإحدى الروايتين ترجيحا على الأخرى فهما معا صحيحتان وقد كتب عليهم وعلينا وأما قوله لو كان منصوصا عليه لم يصح اختلافهم فجوابه أنه لم يقل إنهم اختلفوا بحق بل بعضهم اتبع الحق وبعضهم حاد عنه فصح أنهم اختلفوا فيه وفي التنزيل البيهقي ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر
على [ ص: 156 ] أنه قد يقع الاختلاف بحق في المنصوص عليه عند معارضة نص آخر وإذا يعلم أحد المختلفين بالنص وقال النووي معترضا على كلام القاضي ويمكن أن يكونوا أمروا به صريحا ونص على عينه فاختلفوا فيه هل يلزم بعينه أم لهم إبداله فأبدلوه وغلطوا في إبداله ؟
قلت وهذا كما وقع لهم في الصوم على أحد القولين أنه فرض عليهم صيام شهر رمضان بعينه فأبدلوه بغيره ونقلوا إلى فصل معتدل مع زيادة أيام ، فالظاهر الأرجح أنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فخالف فيه بعضهم بغير حق ، ما ندري بالإبدال أو غيره فإن أوجه الغلط والمخالفة كثيرة والله أعلم .
(السادسة) فإن قلت ما معنى افتراض اليوم عليهم وكيف يصح وصفه بأنه فرض ؟ قلت لا بد فيه من حذف ؛ إما افتراض تعظيمه وإما افتراض عبادة فيه ، إما هذه العبادة المخصوصة المشروعة لنا وإما غيرها
(السابعة) قال القاضي عياض والنووي فيه دليل لوجوب الجمعة أي في قوله في رواية هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا له وكذا استدل به مسلم في صحيحه على البخاري مع أن لفظه فرض عليهم فإن قلت إن أرادوا صلاة الجمعة على الوجه المخصوص فكيف صح الاستدلال له بهذا الحديث وليس فيه تعيين شيء ؟ قلت لما ذكر في الحديث أن المكتوب علينا هدينا له والذي عرفنا من شرعنا هدايتنا له هو الصلاة على الوجه المخصوص مع ما لذلك من سوابق ولواحق دل ذلك على أن هذا هو المكتوب علينا والله أعلم . فرض الجمعة
(الثامنة) وفيه فضيلة ظاهرة لهذه الأمة .
(التاسعة) قوله اليهود غدا قال القاضي عياض والنووي أي عيد اليهود غدا لأن ظروف الزمان لا تكون إخبارا عن الجثث فيقدر فيه معنى ليمكن كونه خبرا وقال أبو العباس القرطبي تقديره اليهود يعظمون غدا والنصارى بعد غد انتهى والأول أرجح وأوفق لكلام أهل العربية وأقل تقديرا وتكلفا
(العاشرة) قال أبو العباس القرطبي في كون اليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى أي بعد التزام المشروعية بالتعيين لنا وبالاختيار لهم قلت ويحتمل أن كون الغد لليهود وبعد الغد للنصارى بفعلهم وزعمهم وتبديلهم لا بمشروعية ذلك بتفويض الاختيار فيه إليهم فإنه لا دليل عليه والله أعلم .
(الحادية عشرة) [ ص: 157 ] قال فيه دليل على فساد تعلق المازري اليهود والنصارى بالقياس في هذا الموضع لأن اليهود عظمت السبت لما كان فيه فراغ الخلق وظنت ذلك فضيلة توجب تعظيم اليوم النصارى الأحد لما كان فيه ابتداء الخلق واتبع المسلمون الوحي والشرع الوارد بتعظيم يوم الجمعة فعظموه وعظمت
(الثانية عشرة) إن قلت ما معنى قوله فالناس لنا فيه تبع ؟ قلت الظاهر أن معناه إنا فمن فعل ذلك فهو تبع لنا وفي صحيح أول من هداه الله للجمعة وأقام أمرها وعظم حرمتها وغيره عن مسلم أبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذيفة لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد فلذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم وفي رواية بينهم قبل الخلائقورواه أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان في مسنده بلفظ المغفور لهم قبل الخلائق ويحتمل أن يستدل به على أن الجمعة أول الأسبوع ولا أعلم قائلا به والله أعلم . البزار