الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أبصر به وأسمع .

                                                                                                                                                                                                                                      أي : ما أبصره وما أسمعه جل وعلا ، وما ذكره في هذه الآية الكريمة من اتصافه جل وعلا بالسمع والبصر ذكره أيضا في مواضع أخر ، كقوله : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ 42 \ 11 ] ، وقولـه : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير [ 58 \ 1 ] ، وقولـه تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [ 22 \ 75 ] ، والآيات بذلك كثيرة جدا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ما لهم من دونه من ولي .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن أصحاب الكهف ليس لهم ولي من دونه جل وعلا ، بل هو وليهم جل وعلا ، وهذا المعنى مذكور في آيات أخر ، كقوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور [ 2 \ 257 ] ، وقولـه تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ 10 \ 62 ] ، فبين أنه ولي المؤمنين ، وأن المؤمنين أولياؤه ، والولي : هو من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به ، فالإيمان سبب يوالي به المؤمنين ربهم بالطاعة ، ويواليهم به الثواب والنصر والإعانة .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين في مواضع أخر : أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، كقوله : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [ 5 \ 55 ] ، وقولـه : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية [ 9 \ 671 ] ، وبين في مواضع أخر : أن نبينا صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ 23 \ 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين في موضع آخر أنه تعالى مولى المؤمنين دون الكافرين ، وهو قوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم [ 47 \ 11 ] ، وهذه الولاية المختصة بالمؤمنين هي ولاية الثواب والنصر والتوفيق والإعانة ، فلا تنافي أنه مولى [ ص: 258 ] الكافرين ولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، كقوله : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 10 \ 30 ] ، وقال بعض العلماء : الضمير في قوله : ما لهم من دونه من ولي راجع لأهل السماوات والأرض المفهومين من قوله تعالى : له غيب السماوات والأرض ، وقيل : الضمير في قوله : " ما لهم " راجع لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار ، ذكره القرطبي ، وعلى كل حال فقد دلت الآيات المتقدمة أن ولاية الجميع لخالقهم جل وعلا ، وأن منها ولاية ثواب وتوفيق وإعانة ، وولاية ملك وقهر ونفوذ ومشيئة ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية