الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      العباس ( ع )

                                                                                      عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قيل : إنه أسلم قبل الهجرة ، وكتم إسلامه ، وخرج مع قومه إلى بدر ، فأسر يومئذ ، فادعى أنه مسلم ، فالله أعلم . [ ص: 79 ]

                                                                                      وليس هو في عداد الطلقاء ؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح ؛ ألا تراه أجارأبا سفيان بن حرب ؟‍‍ ! .

                                                                                      وله عدة أحاديث ، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي وفي " البخاري ومسلم " حديث ، وفي " البخاري " حديث ، وفي " مسلم " ثلاثة أحاديث .

                                                                                      روى عنه ابناه : عبد الله ، وكثير ؛ والأحنف بن قيس ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وجابر بن عبد الله ، وأم كلثوم بنت العباس ، وعبد الله بن عميرة ، وعامر بن سعد ، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، ونافع بن جبير بن مطعم ، وابنه عبيد الله بن العباس ، وآخرون .

                                                                                      وقدم الشام مع عمر .

                                                                                      فعن أسلم مولى عمر : أن عمر لما دنا من الشام تنحى ومعه غلامه ، فعمد إلى مركب غلامه فركبه ، وعليه فرو مقلوب ، وحول غلامه على رحل نفسه .

                                                                                      وإن العباس لبين يديه على فرس عتيق ، وكان رجلا جميلا ، فجعلت البطارقة يسلمون عليه ، فيشير : لست به ، وإنه ذاك .

                                                                                      قال الكلبي : كان العباس شريفا ، مهيبا ، عاقلا ، جميلا ، أبيض ، بضا ، له ضفيرتان ، معتدل القامة .

                                                                                      ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين .

                                                                                      وقلت : بل كان من أطول الرجال ، وأحسنهم صورة ، وأبهاهم ، [ ص: 80 ] وأجهرهم صوتا ، مع الحلم الوافر ، والسؤدد .

                                                                                      روى مغيرة عن أبي رزين ، قال : قيل للعباس : أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو أكبر وأنا ولدت قبله .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم ، وجفنة لجائعهم ، ومنظرة لجاهلهم .

                                                                                      وكان يمنع الجار ، ويبذل المال ، ويعطي في النوائب .

                                                                                      ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب .

                                                                                      ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان العباس قد أسلم قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . [ ص: 81 ]

                                                                                      إسناده واه .

                                                                                      عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر السلمي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : نظرت إلى العباس يوم بدر ، وهو واقف كأنه صنم ، وعيناه تذرفان .

                                                                                      فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرا ! أتقاتل ابن أخيك مع عدوه ؟ .

                                                                                      قال : ما فعل ، أقتل ؟ قلت : الله أعز له وأنصر من ذلك . قال : ما تريد إلي ؟ قلت : الأسر ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك . قال : ليست بأول صلته ، فأسرته ، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، أو غيره ، قال : جاء رجل من الأنصار بالعباس ، قد أسره ، فقال : ليس هذا أسرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم .

                                                                                      ابن إسحاق ، عمن سمع عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسر العباس أبو اليسر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته ؟ قال : لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا . قال : لقد أعانك عليه ملك كريم .

                                                                                      ثم قال للعباس : افد نفسك ، وابن أخيك عقيلا ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن جحدم فأبى ، وقال : إني كنت مسلما قبل [ ص: 82 ] ذلك ، وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقا ، فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك .

                                                                                      وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا فقلت يا رسول الله ، احسبها لي من فدائي . قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، قال : فإنه ليس لي مال . قال : فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل ، وليس معكما أحد غيركما ، فقلت : إن أصبت في سفري فللفضل كذا ، لقثم كذا ، ولعبد الله كذا ؟

                                                                                      قال : فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها ، وإني لأعلم أنك رسول الله
                                                                                      .

                                                                                      يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم ، بما تراضوا . وقال العباس : يا رسول الله ، إني كنت مسلما . . .

                                                                                      إلى أن قال : وأنزلت : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم .

                                                                                      قال : فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام ، عشرين عبدا [ ص: 83 ] كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى
                                                                                      .

                                                                                      قال ابن إسحاق : وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس ، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب .

                                                                                      وعن ابن عباس ، قال : أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق ، فبات ساهرا أول الليل ، فقيل : يا رسول الله ، مالك لا تنام ؟ قال : سمعت أنين عمي في وثاقه ، فأطلقوه ، فسكت ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : أسر العباس رجل ، ووعدوه أن يقتلوه ، فقال رسول الله : إني لم أنم الليلة من أجل العباس ؛ زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال عمر : أآتيهم يا رسول الله ؟ فأتى الأنصار فقال : أرسلوا العباس . قالوا : إن كان لرسول الله رضى فخذه .

                                                                                      سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قيل : يا رسول الله - بعدما فرغ من بدر - عليك بالعير ليس دونها شيء ، فقال العباس - وهو في وثاقه - : لا يصلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم ؟ قال : لأن الله وعدك إحدى الطائفتين ، فقد أعطاك ما وعدك .

                                                                                      هكذا رواه إسرائيل . ورواه عمرو بن ثابت ، عن سماك ، عن عكرمة ، مرسلا . [ ص: 84 ]

                                                                                      إسماعيل بن قيس ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر ، استأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة ، حتى يهاجر منها ، فقال : اطمئن يا عم ، فإنك خاتم المهاجرين ، كما أنا خاتم النبيين إسناده واه ، رواه أبو يعلى ، والشاشي في " مسنديهما " . ويروى نحوه من مراسيل الزهري .

                                                                                      قال ابن سعد الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا : فبدأ بالعباس ، قال : وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب . وسرد نسبها إلى ربيعة بن نزار بن معد .

                                                                                      وعن ابن عباس : ولد أبي قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين .

                                                                                      وبنوه : الفضل - وهو أكبرهم - ، وعبد الله البحر وعبيد الله ، وقثم - ولم يعقب - ، وعبد الرحمن - توفي بالشام ولم يعقب - ومعبد - استشهد بإفريقية - وأم حبيب وأمهم : أم الفضل لبابة الهلالية ، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي : [ ص: 85 ]

                                                                                      ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه أو سهل     كستة من بطن أم الفضل
                                                                                      أكرم بها من كهلة وكهل



                                                                                      قال الكلبي : ما رأينا ولد أم قط أبعد قبورا من بني العباس .

                                                                                      ومن أولاد العباس : كثير - وكان فقيها - ، وتمام - وكان من أشد قريش - ، وأميمة ؛ وأمهم أم ولد . والحارث بن العباس ، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية .

                                                                                      فعدتهم عشرة .

                                                                                      الواقدي : أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي ، عن أبي البداح بن عاصم ، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة ، عن أبيه ، قال : أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقيل : هو في منزل العباس ؛ فدخلنا عليه ، فسلمنا وقلنا : متى نلتقي ؟ فقال العباس : إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم ، فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج ، ونلتقي نحن وأنتم ، فنوضح لكم الأمر ، فتدخلون على أمر بين ، فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النفر الآخر بأسفل العقبة ، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ، ولا ينتظروا غائبا .

                                                                                      وعن معاذ بن رفاعة ، قال : فخرجوا بعد هدأة يتسللون ، وقد سبقهم إلى ذلك المكان معه عمه العباس وحده .

                                                                                      قال : فأول من تكلم هو ، فقال : يا معشر الخزرج ، قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه ، وهو من أعز الناس في عشيرته ، يمنعه والله من كان منا على [ ص: 86 ] قوله ومن لم يكن ، وقد أبى محمدا الناس كلهم غيركم ؛ فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب ، واستقلال بعداوة العرب قاطبة ، فإنها سترميكم عن قوس واحدة ، فارتؤوا رأيكم ، وائتمروا أمركم ؛ فإن أحسن الحديث أصدقه ، فأسكتوا . وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام ، فقال : نحن أهل الحرب ، ورثناها كابرا عن كابر . نرمي بالنبل حتى تفنى ، ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر ، ثم نمشي بالسيوف حتى يموت الأعجل منا .

                                                                                      قال : أنتم أصحاب حرب ، هل فيكم دروع ؟ قالوا : نعم ، شاملة .

                                                                                      وقال البراء بن معرور : قد سمعنا ما قلت ، إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما نقول لقلنا ، ولكنا نريد الوفاء ، والصدق ، وبذل المهج دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والعباس آخذ بيده ، يؤكد له البيعة .

                                                                                      زكريا ، عن الشعبي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس ، وكان العباس ذا رأي ، فقال العباس للسبعين : ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة ، فإن عليكم عينا .

                                                                                      فقال أسعد بن زرارة : سل لربك ما شئت ، وسل لنفسك ولأصحابك ، ثم أخبرنا بما لنا على الله وعليكم .

                                                                                      قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ، لا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا ، وتنصرونا ، وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم . [ ص: 87 ]

                                                                                      قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : الجنة . قال : فلك ذلك
                                                                                      .

                                                                                      ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، قال : قال أبو رافع : كنت غلاما للعباس ، وكان الإسلام قد دخلنا ، فأسلم العباس ، وكان يهاب قومه ؛ فكان يكتم إسلامه ، فخرج إلى بدر ، وهو كذلك .

                                                                                      إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا أبي ، عن ابن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس ، أن جده عباسا قدم هو وأبو هريرة ، فقسم لهما النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر .

                                                                                      قال ابن سعد : فقال لي محمد بن عمر : هذا وهم ، بل كان العباس بمكة ، إذ قدم الحجاج بن علاط ، فأخبر قريشا عن نبي الله بما أحبوا ، وساء العباس ، حتى أتاه الحجاج فأخبره بفتح خيبر ، ففرح . ثم خرج العباس بعد ذلك ، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأطعمه بخيبر مائتي وسق كل سنة ، ثم خرج معه إلى فتح مكة .

                                                                                      يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن المطلب بن ربيعة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يؤذونني في العباس ، وإن عم الرجل صنو أبيه ، من آذى العباس فقد آذاني . [ ص: 88 ]

                                                                                      ورواه خالد الطحان عن يزيد ، فأسقط المطلب .

                                                                                      وثبت أن العباس كان يوم حنين ، وقت الهزيمة ، آخذا بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت معه حتى نزل النصر .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي سبرة النخعي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن العباس ، قال : كنا نلقى النفر من قريش ، وهم يتحدثون ، فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي .

                                                                                      إسناده منقطع .

                                                                                      إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية ، فلطمه العباس ، فجاء قومه ، فقالوا : والله لنلطمنه كما لطمه ، فلبسوا السلاح .

                                                                                      فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فصعد المنبر ، فقال : أيها الناس ، أي أهل الأرض أكرم على الله ؟ قالوا : أنت . قال : فإن العباس مني وأنا منه ، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا .

                                                                                      فجاء القوم فقالوا : نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله
                                                                                      . [ ص: 89 ]

                                                                                      رواه أحمد في " مسنده " .

                                                                                      ثور ، عن مكحول ، عن كريب ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ، ثم قال : اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة ، لا تغادر ذنبا . اللهم اخلفه في ولده .

                                                                                      إسناده جيد . رواه أبو يعلى في " مسنده " .

                                                                                      إسماعيل بن قيس بن سعد ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ ، فقام لبعض حاجته ، فقام العباس يستره بكساء من صوف ، فقال : اللهم استر العباس وولده من النار له طرق ، وإسماعيل ضعف .

                                                                                      سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، قال : بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ثمانين ألفا من البحرين ، فنثرت على حصير ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقف ، وجاء الناس ؛ فما كان يومئذ عدد ولا وزن ، ما كان إلا قبضا .

                                                                                      فجاء العباس بخميصة عليه ، فأخذ ، فذهب يقوم ، فلم يستطع ، فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ارفع علي ، فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه - أو نابه - فقال : أعد في المال طائفة ، وقم بما تطيق ، ففعل .

                                                                                      قال : فجعل العباس يقول - وهو منطلق - أما إحدى اللتين وعدنا الله ، [ ص: 90 ] فقد أنجزها - يعني قوله : قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم فهذا خير مما أخذ مني . ولا أدري ما يصنع في الآخرة
                                                                                      .

                                                                                      أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة ساعيا ، فمنع ابن جميل ، وخالد ، والعباس ، فقال رسول الله : ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله . وأما خالد ، فإنكم تظلمون خالدا ، إنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ؛ وأما العباس ، فهي علي ومثلها .

                                                                                      ثم قال : أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه
                                                                                      .

                                                                                      الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، قال : قلت لعمر : أما تذكر إذ شكوت العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ .

                                                                                      حسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ، أن [ ص: 91 ] رسول الله قال : استوصوا بالعباس خيرا ، فإنه عمي وصنو أبي إسناده واه .

                                                                                      محمد بن طلحة التيمي ، عن أبي سهيل بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في نقيع الخيل فأقبل العباس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا العباس عم نبيكم ، أجود قريش كفا ، وأوصلها . رواه عدة عنه .

                                                                                      وثبت من حديث أنس : أن عمر استسقى فقال : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به ؛ وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس . [ ص: 92 ]

                                                                                      الزبير بن بكار : حدثنا ساعدة بن عبيد الله ، عن داود بن عطاء ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : استسقى عمر عام الرمادة بالعباس ، فقال : اللهم ، هذا عم نبيك نتوجه إليك به ، فاسقنا ، فما برحوا حتى سقاهم الله ، فخطب عمر الناس فقال :

                                                                                      إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، فيعظمه ويفخمه ويبر قسمه ؛ فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم .

                                                                                      وقع لنا عاليا في جزء البانياسي . وداود ضعيف .

                                                                                      ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس أو يكرم العباس إسناده صالح .

                                                                                      ويروى عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله [ ص: 93 ] اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين ، والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين

                                                                                      أخرجه ابن ماجه وهو موضوع . وفي إسناده : عبد الوهاب العرضي الكذاب .

                                                                                      ابن أبي فديك : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العامري ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس : فيكم النبوة والمملكة

                                                                                      هذا في جزء ابن ديزيل وهو منكر .

                                                                                      ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن الثقة قال : كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان ، وهما راكبان ، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله .

                                                                                      وروى ثمامة ، عن أنس : قال عمر : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، فاسقنا . صحيح . . [ ص: 94 ]

                                                                                      وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب :

                                                                                      بعمي سقى الله الحجاز وأهله     عشية يستسقي بشيبته عمر
                                                                                      توجه بالعباس في الجدب راغبا     إليه فما إن رام حتى أتى المطر
                                                                                      ومنا رسول الله فينا تراثه     فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر



                                                                                      أبو معشر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، وعن عمر مولى غفرة ، وعن محمد بن نفيع . قالوا : لما استخلف عمر ، وفتح عليه الفتوح ، جاءه مال ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف ، أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثني عشر ألفا .

                                                                                      سفيان بن حبيب : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي صالح ذكوان ، عن صهيب مولى العباس ، قال : رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ، ويقول : يا عم ، ارض عني .

                                                                                      إسناده حسن ، وصهيب لا أعرفه .

                                                                                      عبد الوهاب بن عطاء عن ثور عن مكحول عن سعيد بن المسيب ، أنه [ ص: 95 ] قال : العباس خير هذه الأمة ، وارث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه .

                                                                                      سمعه منه يحيى بن أبي طالب . وهو قول منكر .

                                                                                      قال الضحاك بن عثمان الحزامي : كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة ، فيقف على سلع ، وذلك في آخر الليل ، فيناديهم فيسمعهم . والغابة نحو من تسعة أميال .

                                                                                      قلت : كان تام الشكل ، جهوري الصوت جدا ، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين : يا أصحاب الشجرة .

                                                                                      قال القاضي أبو محمد بن زبر : حدثنا إسماعيل القاضي ، أخبرنا نصر بن علي : أخبرنا الأصمعي ، قال : كان للعباس راع يرعى له على مسيرة ثلاثة أميال ، فإذا أراد منه شيئا صاح به ، فأسمعه حاجته .

                                                                                      ليث : حدثني مجاهد ، عن علي بن عبد الله ، قال : أعتق العباس عند موته سبعين مملوكا .

                                                                                      علي بن زيد ، عن الحسن ، قال : وبقي في بيت المال بقية ، فقال العباس لعمر وللناس : أرأيتم لو كان فيكم عم موسى ، أكنتم تكرمونه [ ص: 96 ] وتعرفون حقه ؟ قالوا : نعم . قال : فأنا عم نبيكم ، أحق أن تكرموني ، فكلم عمر الناس ، فأعطوه .

                                                                                      قلت : لم يزل العباس مشفقا على النبي صلى الله عليه وسلم ، محبا له ، صابرا على الأذى ، ولما يسلم بعد ، بحيث إنه ليلة العقبة عرف ، وقام مع ابن أخيه في الليل ، وتوثق له من السبعين ، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها ، فأسر ؛ فأبدى لهم أنه كان أسلم ، ثم رجع إلى مكة ، فما أدري لماذا أقام بها .

                                                                                      ثم لا ذكر له يوم أحد ، ولا يوم الخندق ، ولا خرج مع أبي سفيان ، ولا قالت له قريش في ذلك شيئا ، فيما علمت .

                                                                                      ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا قبيل فتح مكة ؛ فلم يتحرر لنا قدومه .

                                                                                      وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن ليدخلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فامتنع ، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب ، والقصة مشهورة ، ثم بذلها بلا ثمن .

                                                                                      وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس ، فقلعه ، فقال له : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه ، فأقسم عمر : لتصعدن على ظهري ، ولتضعنه موضعه .

                                                                                      ويروى ، في خبر منكر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الثريا ثم قال : يا [ ص: 97 ] عم ، ليملكن من ذريتك عدد نجومها

                                                                                      وقد عمل الحافظ أبو القاسم بن عساكر ترجمة العباس في بضع وخمسين ورقة .

                                                                                      وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة . ومات سنة اثنتين وثلاثين فصلى عليه عثمان . ودفن بالبقيع . وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس .

                                                                                      وقال خليفة ، وغيره : بل مات سنة أربع وثلاثين وقال المدائني : سنة ثلاث وثلاثين .

                                                                                      أخبرنا المقداد بن أبي القاسم : أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر : أخبرنا محمد بن عبد الباقي : أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حضورا : أخبرنا عبد الله بن ماسي : أخبرنا أبو مسلم الكجي : أخبرنا الأنصاري محمد بن عبد الله : أخبرنا أبي ، عن ثمامة ، عن أنس : أن عمر خرج يستسقي ، وخرج العباس معه يستسقي ، ويقول : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : سئل العباس : أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ، وأنا أسن منه ، مولده بعد عقلي ، أتي إلى أمي ، فقيل لها : ولدت آمنة غلاما ، فخرجت بي حين أصبحت آخذة بيدي ، حتى دخلنا عليها ، فكأني أنظر إليه يمصع برجليه في عرصته ، وجعل النساء يجبذنني [ ص: 98 ] عليه ، ويقلن : قبل أخاك . كذا ذكره بلا إسناد .

                                                                                      أنبأنا طائفة : أخبرنا ابن طبرزد : أخبرنا ابن الحصين : أخبرنا ابن غيلان : أخبرنا أبو بكر الشافعي : حدثنا محمد بن بشر بن مطر : حدثنا شيبان : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس : سمعت العباس يقول : الذي أمر بذبحه إبراهيم : هو إسحاق .

                                                                                      وقال الواقدي ، عن ابن أبى سبرة ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسلم العباس بمكة ، قبل بدر ، وأسلمت أم الفضل معه حينئذ ، وكان مقامه بمكة . إنه كان لا يغبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 99 ] بمكة خبر يكون إلا كتب به إليه . وكان من هناك من المؤمنين يتقوون به ، ويصيرون إليه ، وكان لهم عونا على إسلامهم . ولقد كان يطلب أن يقدم ؛ فكتب إليه رسول الله : إن مقامك مجاهد حسن ، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      إسناده ضعيف . ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر ، والظاهر أن إسلامه كان بعد بدر .

                                                                                      قال إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فكتب إليه : يا عم ، أقم مكانك ؛ فإن الله يختم بك الهجرة ، كما ختم بي النبوة .

                                                                                      إسماعيل ، واه .

                                                                                      وروى عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العباس مني وأنا منه إسناده ليس بقوي .

                                                                                      وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء .

                                                                                      وبكل حال ، لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم ممن يورث لما ورثه أحد ، بعد بنته وزوجاته ، إلا العباس .

                                                                                      وقد صار الملك في ذرية العباس ، واستمر ذلك ، وتداوله تسعة وثلاثون [ ص: 100 ] خليفة ، إلى وقتنا هذا ، وذلك ستمائة عام ، أولهم السفاح . وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري ، والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر - أيدهما الله .

                                                                                      وإذا اقتصرنا من مناقب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النبذة ، فلنذكر وفاته :

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية