الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      بريرة ( س )

                                                                                      مولاة أم المؤمنين عائشة

                                                                                      لها حديث عند النسائي . [ ص: 298 ]

                                                                                      روى عنها : عبد الملك بن مروان ، وغيره .

                                                                                      قد تكلم على حديثها ابن خزيمة وغيره بفوائد جمة .

                                                                                      روى عبد الواحد بن أيمن : حدثنا أبي ، قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أم المؤمنين ، إني كنت لعتبة بن أبي لهب ، وإن بنيه وامرأته باعوني ، واشترطوا الولاء ، فمولى من أنا ؟ فقالت : يا بني ، دخلت علي بريرة وهي مكاتبة ، فقالت : اشتريني . قلت : نعم ، فقالت : إنهم لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي ، فقلت : لا حاجة لي فيك .

                                                                                      فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بلغه ، فقال : ما بال بريرة ؟ ، فأخبرته ، فقال : اشتريها فأعتقيها ، ودعيهم فيشترطون ما شاءوا ، فاشتريتها فأعتقتها ، فقال : الولاء لمن أعتق ، ولو اشترطوا مائة مرة
                                                                                      .

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن بريرة حين أعتقها ، واشترط أهلها الولاء ، فقال : ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن اشترط مائة مرة ، فشرط الله أحق وأوثق .

                                                                                      وروى نحوه القاسم بن محمد ، والأسود بن يزيد ، وعمرة ، ومجاهد ، عن عائشة . [ ص: 299 ] ويرويه نافع ، عن ابن عمر .

                                                                                      عروة ، عن عائشة قالت : جاءتني بريرة تستعين في كتابتها ، ولم تكن قضت شيئا ، فقلت : ارجعي إلى أهلك ، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي ، فعلت ؟ .

                                                                                      فذكرت بريرة ذلك لهم ، فأبوا ، وقالوا : إن شاءت أن تحتسب ، فلتفعل ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ابتاعي فأعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق . ثم قام فقال : ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، وإن شرط مائة شرط ، شرط الله أحق وأوثق
                                                                                      .

                                                                                      وفي لفظ في " الصحيح " . قالت : كاتبت أهلي على تسع أواق ، كل عام أوقية ، فأعينيني .

                                                                                      وفي لفظ : قام في الناس فحمد الله ، وأثنى عليه . وفيه : قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق .

                                                                                      وفي لفظ : ما بال أقوام يقول أحدهم : أعتق يا فلان ، ولي الولاء . وفي رواية : دخلت وعليها خمس أواق في خمس سنين ، فقالت لها [ ص: 300 ] عائشة ونفست فيها أرأيت إن عددت لهم عدة واحدة ، أيبيعك أهلك ، فأعتقك ؟ .

                                                                                      وفي لفظ أنه قال لعائشة : لا يمنعك ذلك . وفيه : قال : أما بعد .

                                                                                      وفي رواية : عتقت وهي عند مغيث بن جحش ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إن قربك فلا خيار لك .

                                                                                      وفي رواية : جعل عدتها عدة المطلقة الحرة .

                                                                                      وفي لفظ : جاءتني ورسول الله جالس ، فقال لي : ما رد أهلها ، فقلت : لاها الله ورفعت صوتي ، فقال : خذيها واشترطي .

                                                                                      وفي لفظ : إذا أعتقت ، فأنت أولى بأمرك ما لم يطأك ، وما أحب أن تفعلي . قالت : لا حاجة لي به .

                                                                                      وفي حديث القاسم ، عن عائشة : كان في بريرة ثلاث سنن : عتقت فخيرت في زوجها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم - والبرمة على النار تفور بلحم - فقرب إليه من أدم البيت ، فقال : ألم أر البرمة ؟ قالوا : بلى ، ذلك لحم تصدق به على بريرة ، وأنت لا تأكل الصدقة . قال : هو عليها صدقة ، ولنا هدية .

                                                                                      وفي رواية : وخيرت في زوجها وهو حر ، ثم قال : لا أدري .

                                                                                      وفي لفظ : كانت تحت عبد ، فقال : أنت أملك لنفسك ، إن شئت أقمت معه [ ص: 301 ]

                                                                                      حديث الأسود ، عن عائشة : أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق : وفيه : فخيرها من زوجها . فقالت : لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده . فاختارت نفسها .

                                                                                      وفي لفظ الحكم : وكان حرا .

                                                                                      فقال البخاري : قول الأسود منقطع .

                                                                                      وفي رواية : بلحم بقر . قلنا : تصدق به على بريرة .

                                                                                      حديث عمرة ، عن عائشة : إن بريرة جاءت تستعين ; فقالت لها : إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة ، فأعتقك ؟ .

                                                                                      حديث نافع ، عن ابن عمر : أن عائشة ساومت بريرة ، فخرج النبي إلى الصلاة ; فلما جاء ، قالت : إنهم لا يبيعونها إلا أن يشترطوا الولاء . قال : إنما الولاء لمن أعتق . [ ص: 302 ]

                                                                                      همام : حدثنا قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن زوج بريرة كان عبدا أسود ، يسمى : مغيثا ; فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها أربع قضيات : أن مواليها اشترطوا الولاء ، فقضى أن الولاء لمن أعتق ; وخيرت فاختارت نفسها ، فأمر النبي أن تعتد . فكنت أراه يتبعها في سكك المدينة ، يعصر عينيه عليها .

                                                                                      قال : وتصدق عليها بصدقة ، فأهدت منها إلى عائشة ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : هو عليها صدقة ولنا هدية .


                                                                                      روى نحوا منه : ربيعة الرأي ، عن القاسم ، عن عائشة .

                                                                                      داود بن أبي هند ، عن الشعبي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لبريرة : قد أعتق بضعك معك فاختاري .

                                                                                      أيوب السختياني ، عن ابن سيرين : أن رسول الله خير بريرة . فكلمها فيه . فقالت : يا رسول الله ، أشيء واجب ؟ قال : لا إنما أشفع له . [ ص: 303 ]

                                                                                      شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : أتي رسول الله بلحم ، فقيل : تصدق به على بريرة ، قال : " هو لها صدقة وهو لنا هدية " .

                                                                                      أيوب ، عن عكرمة ، قال : ذكر زوج بريرة عند ابن عباس ، فقال : ذاك مغيث ، عبد بني فلان ، قد رأيته يبكي خلفها يتبعها في الطريق .

                                                                                      وروى حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : لا أعلم أهل المدينة ومكة يختلفون أنه عبد .

                                                                                      ابن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : كان زوج بريرة يوم خيرت حرا .

                                                                                      عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن صفية بنت أبي عبيد : أن زوج بريرة كان عبدا .

                                                                                      قلت : بريرة لما أعتقتها عائشة - وقت باعوها - كان ذلك وابن عباس بالمدينة ; وإنما قدمها بعد عام الفتح .

                                                                                      فأما الجارية التي في حديث الإفك ، التي سئلت عما تعلم من عائشة ، فأخرى غير بريرة .

                                                                                      وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للعباس : يا عم ، ألا تعجب من بغض [ ص: 304 ] بريرة مغيثا وحبه لها ! .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية