الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      المعتز بالله

                                                                                      الخليفة أبو عبد الله ، محمد . وقيل : الزبير بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي العباسي . ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

                                                                                      واستخلف وهو ابن عشرين سنة أو دونها . وكان أبيض جميلا وسيما من ملاح زمانه . [ ص: 533 ]

                                                                                      قال علي بن حرب : أدخلت على المعتز بالله ليسمع مني الحديث ، فما رأيت خليفة أحسن منه ، وأمه رومية .

                                                                                      بويع وقت خلع المستعين . . فلما كان بعد أشهر من ولايته ، خلع أخاه المؤيد بالله إبراهيم من العهد ، فما بقي إبراهيم حتى مات ، وخاف المعتز من أن يتحدث الناس أنه سمه ، فأحضر القضاة ، حتى شاهدوه ، وما به أثر . فالله أعلم .

                                                                                      وكانت دولة المعتز مستضعفة مع الأتراك ، فاتفق القواد ، وقالوا : أعطنا أرزاقنا . ويقبل صالح بن وصيف ، وكان المعتز يخافه ، فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم ، فشحت عليه ، فتجمع الأتراك لخلعه ، واتفق معهم صالح وبابياك . ومحمد بن بغا ، فتسلحوا ، وأتوا الدار ، وبعثوا إلى المعتز ليخرج إليهم . فقال : قد شربت دواء ، وأنا ضعيف ، فهجم جماعة ، جروه وضربوه ، وأقاموه في الحر ، فبقي المسكين يتضور وهم يلطمونه ، ويقولون : اخلع نفسك . ثم أحضروا القاضي والعدول ، وخلعوه ، وأقدموا من بغداد محمد بن الواثق ، وكان المعتز قد أبعده ، فسلم المعتز إليه الخلافة ، وبايعوه ، ولقب بالمهتدي بالله .

                                                                                      ثم إن رؤوس الأتراك ، أخذوا المعتز بعد خمسة أيام فأدخلوه حماما ، وأكربوه حتى عطش ، ومنعوه الماء حتى كاد ، ثم سقوه ماء ثلج ، فسقط ميتا -رحمه الله- وذلك في شعبان سنة خمس وخمسين [ ص: 534 ] ومائتين . وعاش ثلاثا وعشرين سنة .

                                                                                      ولما تولى خلع على محمد بن عبد الله بن طاهر خلعة الملك ، وقلده سيفين ، فأقام وصيف وبغا على وجل من ابن طاهر ، ثم رضي المعتز عنهما ، وأعادهما إلى مرتبتهما . وخلع على أخيه أبي أحمد خلعة الملك أيضا ، وتوجه ورشحه ، وقلده سيفين ، وولى القضاء الحسن بن محمد بن أبي الشوارب الأموي ، وحسبت أرزاق جند الإسلام ، فكانت في السنة مائتي ألف ألف درهم ، ثم قبض المعتز على أخيه أبي أحمد ، ثم أطلقه مضطهدا .

                                                                                      وغلب على خراسان يعقوب بن الليث الصفار ، وأخذ هراة وغيرها ، وخرج بالكرج الأمير عبد العزيز بن أبي دلف ، فالتقاه موسى بن بغا ، وجرت ملحمة كبرى . وقتل وصيف من كبار الأمراء .

                                                                                      ومات بمصر نائبها مزاحم بن خاقان .

                                                                                      وفيها أول ظهور الخبيث ، قائد الزنج ، واستباح البصرة ، وافترى أنه علوي .

                                                                                      وفيها التقى يعقوب الصفار وطوق بن المغلس متولي كرمان ، فأسر طوقا ، ونزع الطاعة علي بن قريش . ثم كتب إلى المعتز ليوليه خراسان ، ويقول : إن آل طاهر قد ضعفوا عن محاربة الصفار . فكتب إليه بإمرة خراسان ، وكتب بمثل ذلك إلى الصفار ليغري بينهما ، ويشتغلا عنه ، فأسر الصفار ثابت بن قريش وهو طوق ، ثم غلب على شيراز . ثم التقى ابن قريش ، فانتصر الصفار ، ودانت له الأمم ، وأسر ابن قريش ، وبعث [ ص: 535 ] إلى المعتز بهدايا وتحف ، ووثب صالح بن وصيف غضبا لمقتل أبيه ، فقيد كتاب المعتز أحمد بن إسرائيل ، والحسن بن مخلد ، وأبا نوح ، وصادرهم . وقل ما في بيوت الأموال جدا . ثم خلع المعتز ، واختفت أمه قبيحة ، ثم بذلت لصالح أموالا ، فقتر عنها ، وظهر لها نحو من ثلاثة آلاف ألف دينار . فقال ابن وصيف : قبحها الله ، عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ، يرضي بها الأتراك . ثم قتل ابن وصيف أبا نوح ، وأحمد بن إسرائيل . ووهى منصب الخلافة . فلله الأمر .

                                                                                      وخلف من الولد عبد الله بن المعتز ، وحمزة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية