الإجازة الصيفية.. وقضية السـفر للخارج

30/05/2006| إسلام ويب

انتهى موسم الامتحانات لدى أبنائنا في المدارس وبدأت الأسر تستنشق نسيم الراحة بعد موسم كامل من الكد والتعب وبذل الجهد... ولا شك أن حاجة الجسم إلى الراحة بعد الكد، وإلى الهدوء بعد الضجيج، وإلى نوع استرخاء واستجمام بعد عام من الشد العصبي والضغط النفسي، والجهد البدني؛ هو من الأمور المسلّمة التي لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل.

والإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كلُّ كَلامهم ذكرًا، ولا كلُّ شرودهم فكرًا، ولا كل أوقاتهم صلاة وعبادة؛ بل جعل للنفس شيئًا من الترويح والإراحة المنضبطين بشرعة الإسلام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة: "ساعة وساعة". وقال على فيما ذكره عنه الإمام ابن عبد البر: "أجـمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان".

ومع بداية الإجازة من كل عام تطرق أبواب مجتمعاتنا قضية هامة لا ينبغي أن تفوت دون انتباه لقوة تأثيرها على الأفراد والمجتمعات بل وفي كثير من الأحيان على ثقافة الأمة كلها، ففي مثل هذا الوقت من كل عام نرى كثيرا من الناس قد جمعوا أغراضهم، وحزموا حقائبهم، وهيئوا أنفسهم عازمين على السفر شرقًا أو غربًا، إما طلبًا للراحة والاستجمام، وإما طلبًا للنزهة والسياحة، وإما طلبًا للهو واللعب، وإما طلبًا لأمور يعلمها الله عز وجل. وإلى كل هؤلاء نقول: قبل أن ترفعوا أقدامكم عن بلدكم لتضعوها شرقًا أو غربًا تعالوا بنا لنقف وقفة صادقة نزن فيها الأمر على ميزان الشرع المطهر مرورًا بأمور لابد أن نذكرها ولابد أن نتذكرها جيدًا:

أولاً: مهمة الإنسان في هذه الحياة:

لماذا خلقك الله؟ ولماذا أوجدك في هذه الحياة؟ يجيبك الله عز وجل فيقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56].

إذن فالله خلقك لعبادته ومن أجل تلك العبودية سخر لك ما في السماوات وما في الأرض، وأرسل إليك الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وخلق الجنة والنار، ونصب الميزان، وضرب الصراط. وإن من أعظم الظلم بعد كل هذا أن تظن أنك خلقت عبثًا أو أنك ستترك سدى دون حساب أو مساءلة – حاشا لله – {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115].

فالمسلم في هذه الحياة ليس حرًّا يفعل ما يهواه، وإنما هو عبد لله، والعبد ليس له تصرف في نفسه وإنما أمره بيد سيده ومالكه، لا يفعل شيئًا إلا بأمره، ولا يتحرك إلا من خلال طاعته وحكمه. فإذا علمت هذا وأيقنت أنك عبد لله، وجب عليك أن تكون كل حركاتك وسكناتك في طاعته، ووجب عليك أن تستغل كل ما أفاء به عليك للقيام بحق عبوديته. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162].فيا من عزمت على السفر انظر أولاً هل هذا السفر يقربك من الله ويدنيك من الجنة؟ أم أنه يبعدك عن الله ويقربك من النار؟ فإذا علمت فاختر لنفسك ما تشاء.

ثانيًا: الوقت هو الحياة:

فالوقت هو رأس مال المسلم الذي يتاجر فيه مع ربه، ويطلب به السعادة في الدنيا والآخرة، وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره.

ولذلك كان السلف رضي الله عنهم لا يفرطون في ساعة ولا في لحظة بل ولا في نفس. قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لوقفت. قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.

وصدق رحمه الله فإن الوقت لا يقف محايدًا أبدًا؛ فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك.

قالت رابعة لسفيان: يا سفيان! إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضك.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل

يسر المرء ما ذهب الليالي *** وكان ذهابهن له ذهـابًا

يقول ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة.

وقال علي رضي الله عنه: بقية عمر المرء ما لها ثمن يدرك بها ما فات ويحيي بها ما أمات.

إذا كان رأس المال عمرك فاحترز *** عليه من الإنفاق في غير واجب

قال الحسن البصري: وقذتني كلمات سمعتها من الحجاج؛ سمعته يقول: إن امرءًا ذهبت ساعة من عمره من غير ما خلق له لحري به أن تطول حسرته يوم القيامة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها".

وساعة الذكر فاعلم ثورة وغنى *** وساعة اللهو إفلاس وفاقات

فالمسلم ليس عنده وقت فراغ، وإنما وقته كله مشغول بطاعة ربه وعبادة مولاه، العبادة بمعناها الشامل والواسع، وإنما يكون الفراغ عن البطالين الذين لا يعرفون للوقت قيمة ولا للعمر قدرًا.

ثالثًا: لا مانع من الترويح المباح

إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا عن أنفسهم، ولا أن يدخلوا السرور على أهليهم وأولادهم طالما كان هذا الترويح في حدود الشرع وتحت قواعد الدين فلا غضاضة فيه، بل قد يكون مطلوبة في بعض الأحيان.

وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي – زوجته أُمّنا عائشة رضي الله عنها، فسبقته، ثم سابقها مرة أخرى فسبقها؛ فقال: "هذه بتلك".

فالترويح جائز طالما كان منضبطًا بهدي الإسلام، أما إذا كان مما يضعف الإيمان ويهز العقيدة ويخدش الفضيلة ويوقع في الرذيلة؛ فهذا مما لا يقبله العقل ولا يقره الدين.

رابعًا: للسفر آداب وقواعد

          إن السفر في الإسلام لا بأس به، ولكن له حدود مرعية وقواعد شرعية منها:

·        أن يكون إلى بلد من بلاد الإسلام؛ حيث يأمن المرء على نفسه وعرضه وماله، وحيث يستطيع أن يظهر شعائر دينه.

·        وبشرط ألا يكون سفر معصية.

فالسفر في هذه الحال إن كان لأمر مباح فهو جائز شرعًا إن شاء الله.

وأما السفر إلى بلاد الكفر؛ فهذا مما منعه الإسلام وحرمه إلا بشروط شديدة:

أولها: أن يكون لضرورة شرعية: كمرض لا علاج له إلا في تلك البلاد، أو علم لا يوجد إلا عندهم، وهو مما يحتاج له الإسلام، أو أي ضرورة أخرى معتبرة في شريعة رب الأرض والسماء.

ثانيها: أن يكون عند المسافر من العلم ما يحفظه ممن ورود الشبهات وهي كثيرة عند هؤلاء.

ثالثها: أن يكون عنده من التقوى والخوف من الله ما يردعه عن الوقوع في الشهوات.

وبعد النظر في تلك الشروط تجد أن أكثر المسافرين إلى تلك البلاد لم تتوفر لهم هذه الشروط، وأنهم آثمون بسفرهم ومخالفتهم أمر ربهم.

إن قاعدة سد الذرائع ودرء المفاسد من قواعد الدين العظيمة، فلما كان السفر إلى تلك البقاع الموبوءة والمستنقعات المشبوهة مما يسبب وقوع كثير من المسلمين في الخنا والزنا والفجور وشرب الخمور لتوفر هذه الأمور في تلك البقاع، إذ لا دين عندهم يمنعهم ولا أخلاق تردعهم، فلما كان الأمر كذلك جاء الشرع الحكيم ليسد هذا الباب الخطير حفظًا للدين وصيانة للأعراض؛ فالحمد لله رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}[النساء: 26-28].

فإن كل ذي عقل وإنصاف لابد وأن يقر للإسلام بالحكمة في منع سفر أهله إلى بلاد الكفر حفاظًا عليهم من الوقوع في تلك البلايا التي ذكرناها، وكذلك حماية لهم من مفاسد السفر التي تعود على الجميع ومن هذه المفاسد:

 

1- تنكر كثير من الناس للدين ورفضهم تعاليمه:

وركونهم إلى قوانين الغرب وأساليب حياتهم حتى أصبح من شباب المسلمين من يضع المساحيق على وجهه وأحمر الشفاه تشبَّهًا بهؤلاء المخنثين من الغربيين، مع محبة الخنا والزنا، والسعي وراء الشهوات وطلب المنكرات مما يزيد هذا البلاء في بلاد المسلمين فيعرض الجميع لسخط العزيز الجبار.

2- تذمر الفتيات من الحجاب والدعوة إلى التفسخ والسفور:

       فهي تريد أن تكون مثل هذه التي رأتها تمشي بين الرجال تجالسهم وتضاحكهم وتمازحهم، مظهرة زينتها وفتنتها، ولقد بدأ هذا يفشو بين نسائنا، فبدأت الوجوه تظهر بكثرة، وبدأ الحجاب ينسحب رويدًا رويدًا، وإلى الله نشكو ضياع الأمة وموت عمر.

3- تلاشي مفهوم الولاء والبراء:

       بين المسلمين والكافرين، وارتفاع بغضهم من قلوب المسافرين، نتيجة للمخالطة والمعاشرة، وفي هذا ضياع الجهاد والدعوة للإسلام، بل والدفاع عنه إذا اقتضى الأمر ودعت الضرورة.

4-التعود على رؤية المنكر:

       وهذه أكبر المصائب لأن كثرة مشاهدة المنكرات تجعل المرء يعتاد عليها حتى تصبح أمرًا هينًا في عينه لا يتأثر بها قلبه ولا تشمئز لها نفسه، بل ولا يستحي بعد ذلك أن يراه الناس على شيء منها، وفي هذا فشو المعاصي وانتشار المنكرات مما يؤذن بخراب البلاد ودمار العباد.

ولا تتوقف مفاسد هذا السفر على هذه الأمور ولكنها من أهمها ومن هنا نعرف صدق كلام  ابن الجوزي رحمه الله حين قال: السياحة في الأرض لا لمقصود شرعي كعلم أو دعوة أو نحو ذلك منهي عنها".

فإذا كان هذا قولهم في السياحة التي لا معصية فيها، فكيف بسياحة التحلل والتفسخ؟.

نسأل الله أن يجعلها أجازة مباركة مليئة بطاعة الله ومقربة إلى رضوانه... آمين.

www.islamweb.net