نشرت السي إن إن منذ أيام تقريرا نقلا عن التايم الأمريكية يتحدث عن المواجهات الصعبة التي يخوضها الجيش الأمريكي ضد من أسماهم "المدافعين عن زراعة المخدرات في أفغانستان والذين يسمون بالطالبان"، وعندما قرأت هذا التقرير أدركت إلى أي مدى أصيبت دوائر التضليل الأمريكي بالعجز والتفاهة، إلى درجة أن "حرفة" التضليل التي اشتهروا بها قد تدنت إلى حد التفاهة والسذاجة.
اليوم بعد حرب الثماني سنوات والانتصار الكبير الذي حققته كتائب المجاهدين "الطالبان" حتى أن قوات التحالف تعترف الآن بأنهم يسيطرون فعليا على ثلاثة أرباع أفغانستان، ولا تملك قوات الغزو الأمريكي وميليشيات كرزاي سوى مناطق محدودة داخل المدن الرئيسية، بل إن الرئيس المنصب من قوات الاحتلال لا يتحرك إلا بحماية خاصة من شركات أمن أمريكية.
بعد هذا النجاح المذهل والجهاد الطويل والتضحيات يحاول الأمريكيون أن يصوروا للعالم أنهم إنما يقاتلون "عصابات مخدرات" في أفغانستان، وفي الحقيقة أن مجاهدي الطالبان كانوا أول قوة حاكمة في أفغانستان تحاصر زراعة المخدرات وتكاد تقضي عليها تماما، ولم تنشط تجارة الأفيون إلا بعد أن "حلت البركة" الأمريكية بالغزو الذي فتح تجارة المخدرات على أوسع نطاق في منطقة آسيا الوسطى انطلاقا من أفغانستان.
التصريحات الأمريكية مجرد محاولة للهرب من "الإهانة" التي لحقت بالجيش الأمريكي في أفغانستان، وهو يقاتل كتائب لا تملك من القدرات العسكرية ما يوازي الواحد في المائة مما تملكه قوات الاحتلال، ومع ذلك تذيقهم كل هذه الهزائم وكل هذا الهوان، ولذلك يحاول الأمريكيون الآن حشد المزيد من القوات والعتاد العسكري في أفغانستان، ونقل فرق بكاملها من العراق إلى أفغانستان، لمحاولة وقف مسلسل الهزائم، ولإدراك القيادة العسكرية الأمريكية بأن الهزيمة الكاملة في أفغانستان قد اقتربت بالفعل وستكون مروعة ومهينة للعسكرية الأمريكية، فضلا عن البعد الرمزي فيها للهيبة الأمريكية في العالم وإعادة النظر في قدراتها على محاربة الدوائر التي تربطها بتنظيم القاعدة، وهو التنظيم الذي حولته آلة الدعاية الأمريكية إلى أسطورة خرافية تعلق عليها كل فضائحها وانكساراتها العسكرية والأمنية، وتحول الحديث الأمريكي المتكرر عن تنظيم القاعدة هذه الأيام إلى ما يشبه أحاديث عجائز الريف المصري عن الغيلان والجن والعفاريت.
ظلم إعلامي فادح