لاشك أن أحقَّ ما يُتعلَّم كتاب الله تعالى، وأجدرَ ما توجه إليه الهمم كلام رب العالمين، الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد} (فُصِّلت:42)؛ لأجل هذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) رواه أحمد.
وقد أولى السلف رضي الله عنهم اهتماماً بتفسير القرآن، وكان حرصهم على معرفة معانيه قدر حرصهم على تلاوته وحفظه. وقد أخبرنا الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه عن ذلك بقوله: "كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً قال: "والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته".
وقد أجمع العلماء على أن تفسير القرآن الكريم من فروض الكفايات على مجموع الأمة، إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين، وإلا أثم الجميع، قال ابن كثير رحمه الله: "الواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعلميه، كما قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران:187).
وقد نص العلماء على جملة من الآداب التي ينبغي على المفسر لكتاب الله أن يلتزم بها، وعلى رأس تلك الآداب، الإخلاص لله وصحة النية، ومن ثَمَّ الامتثال والعمل بأوامر القرآن ونواهيه، والتخلق بأخلاقه، إضافة إلى تحري الصدق والضبط فيما ينقله من أقوال وتفاسير، مع ملاحظة أن أولى ما يُفسر به كلام الله ما فسره القرآن نفسه، أو بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ يأتي تفسير الصحابة والتابعين من بعدهم.
ثم إن على المفسر أن يتحرى في تفسيره الأقوال الصحيحة، والأحاديث الثابتة، وألا يعتمد على الأخبار الإسرائيلية، أو التفاسير الغريبة والممجوجة، وعليه ألا يتكلف في حمل آية على معنى لا تحتمله، أو يصرف آية إلى مالا يقتضيه ظاهرها، ونحو ذلك من التأويلات والتفسيرات التي لا تليق بكتاب الله الكريم.
وحاصل القول هنا: إنه ليس للمفسر أن يفسر كلام الله تفسير خبط عشواء، أو استناداً إلى الأهواء والميول والشهوات، بل لا بد له من منهج صحيح وواضح يسير عليه، حتى يكون تفسيره وفق الصورة المرضية والمقبولة.
ومن المناسب في مقامنا هذا، أن نذكر أهم المفسرين، وأهم أسماء كتب التفسير، تعميماً للفائدة.
أما بشأن الأمر الأول، فنذكر من أشهر مفسري الصحابة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأُبي بن كعب، ومن التابعين مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، ومن بعدهم الإمام الطبري، والإمام القرطبي، وابن كثير، ومن أشهر المفسرين المعاصرين العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحم الله الجميع.
أما بشأن الأمر الثاني فنذكر التفاسير التالية:
- تفسير الطبري، المسمى "جامع البيان في تأويل القرآن".
- تفسير القرطبي، المسمى "الجامع لأحكام القرآن".
- تفسير ابن كثير، المسمى "تفسير القرآن العظيم".
- تفسير السعدي، المسمى "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان".
وختاماً نقول: إن على المسلم أن يكون على علم بكتاب الله تعالى وأحكامه، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس المطلوب منه أن يكون على علم تفصيلي بتفسير آيات القرآن، كشأن أهل العلم والتخصص، بل يكفيه من ذلك أن يكون على علم إجمالي بالقرآن، ومعرفة بآيات الأحكام التي يترتب عليها مسائل عملية تخصه.
فاحرص -أخي الكريم رعاك الله- على أن تُحَصِّل ثقافة تفسيرية، تؤهِّلك لفهم كتاب ربك، واستعن بالله ولا تعجز، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.