بدأت إسرائيل يوم الأحد(16/6/2002) مشروعا لبناء سياج أمني على طول حدودها مع الضفة الغربية وهو ما اعتبرته السلطة الفلسطينية تكريسا للاحتلال والفصل العنصري ·
وبدأت الجرافات العمل بالفعل قبل عدة أيام بالقرب من نقطة تفتيش سالم التي أقامها الجيش في شمال الضفة الغربية بتمهيد الأرض لبناء الجزء الأول من السياج الذي يستهدف منع مهاجمين فلسطينيين من دخول إسرائيل ·
وتم إغلاق ووضع اليد على عشرات آلاف الدونمات من أراضي مواطني قرية المنطقة لتنفيذ الخطة الإسرائيلية ·
وقام وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر بالاحتفال في موقع بناء السياج ، بينما كانت مدرعات تنتظر بالقرب من الموقع فيما وصف بأنه افتتاح رسمي للمشروع الذي يكلف 220 مليون دولار ·
ويفترض أن تستمر أعمال المرحلة الأولى التي تبلغ كلفتها 400 مليون شيكل (حوالي 80 مليون دولار) ستة أشهر ، وأن تعزل مدن جنين وطولكرم وقلقيلية الفلسطينية عن الأراضي "الإسرائيلية" ·
وقد بدأت الأعمال في قطاع حساس للغاية تسلل منه استشهاديون فلسطينيون إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة ·
وتقول الأجهزة الأمنية الإسرائيلية : إن منفذي العمليات كانوا يفيدون من تواطؤ فلسطينيي 48 في البلدات المحاذية للخط الأخضر ·
وسيتم في المرحلة الأولى إقامة كيلومترات معدودة - من قرية سالم جنوب شرقي مجيدو وحتى مي - عامي جنوب أم الفحم. والجدار الذي سيقام يفصل بين مدينة الاستشهاديين جنين وبين أم الفحم. وفي السياق يتم التخطيط لإقامة جدار بطول حوالي 115كم من قرية سالم وحتى كفر قاسم ، وسيزود الجدار بأدوات للمراقبة الإلكترونية ، وسيتم تعزيزه بالعديد من العوائق لمنع مرور السيارات ·
وأول كيلو مترين من الجدار يمران في المنطقة التي يسميها وزير الحرب الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر "المصب" المنطقة التي مر منها استشهاديون كثيرون في طريقهم الى العفولة ، الخضيرة، شارع وادي عارة وبنيامينا وحيفا .
معارضة اليمين الإسرائيلي
وأثار "جدار الفصل" ردود فعل غاضبة من اليمين الإسرائيلي ، ومن شأنه أن يؤدي إلى أزمة حكومية، بعد أن هدد المفدال بالانسحاب من الائتلاف بسببه . وقال زعيم المفدال الوزير آفي ايتام أمس : " إن إقامة الجدار هو انتصار كبير ، لما وصفه "بالإرهاب" وسيكون رمز الهزيمة الإسرائيلية أمام "الإرهاب" .
وأضاف : "هذا ليس جدارًا أمنيا ، بل رسمًا لخط انسحاب ، في إطاره تقام "دولة إرهاب" . سنلتقي مع رئيس الحكومة وسنقرر استمرار مشاركتنا في الائتلاف" ·
وأعلن مجلس يشع أنه سيبدأ في معركة سياسية ضد الجدار. وقال يهوشاع مور - يوسف الناطق باسم مجلس يشع : إن إقامة الجدار " جاء ليعيد إسرائيل إلى حدود 67 التي قال عنها ايبا ايبان : إنها حدود اوشفيتس".
وقال النائب في الكنيست الاسرائيلي يوبيل شتاينتس (الليكود) : " إنه رغم معارضة الفلسطينيين للجدار إلا أنهم يحتفلون بانتصارهم لأول مرة منذ 1967، ذلك لأن الخط الأخضر ليس فقط سيحيى من جديد بل سيستخدم كنقطة انطلاق لكل مفاوضات مستقبلية · الجدار هو كارثة من ناحية دولة إسرائيل مع انعدام الفائدة الأمنية"·
وقال النائب اليساري في الكنيست الإسرائيلي يوسي سريد : إن "الجدار الذي لا يقوم على حدود 67 وغير مرتبط بإخلاء المستوطنات هو مضاد للأمن، والوضع الأمني سيسوء".
فيما قال عاموس بارون المدير العام بوزارة الحرب الإسرائيلية : إن السياج الأمني سيوفر ردا دفاعيا على تسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل ·
وقال لراديو إسرائيل : إنه من المتوقع أن يكون السياج الذي يبلغ طوله 115 كيلو مترا مكهربًا ومزودا بأجهزة رصد وطرق للدوريات ، وسيكون جزءا من جملة نشاطات ووسائل مثل قنوات، أبراج رقابة، طرق لتعقب الأثر، أبراج حراسة وأجهزة استشعار من المفروض أن تمنع أي عبور غير مراقب سواء من قبل الأشخاص أو السيارات .
وقال : إن تكلفة بناء كل كيلو متر جدار - مع باقي الوسائل تتراوح بين 4.5 - 5 مليون شيكل (حوالي مليون دولار) .
فيما وصف الوزير إسحاق ليفي (عن الحزب القومي الديني وهو حزب يميني يدافع عن الاستيطان اليهودي على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967) ، الحاجز بأنه (سياج سياسي) يمكن أن يقيم حدودا فعلية ·
لكن يارون أشار إلى أن السياج لن يتطابق مع الخط الأخضر أو خط الحدود قبل حرب حزيران 67 ، لكنه سيكون جزءًا من مساحة يتراوح عرضها بين خمسة و15 كيلو متر بعد خط الحدود ·
ويقول إسرائيليون يؤيدون مشروع السياج : إن إقامة عائق أمني مماثل حول قطاع غزة قد قضى تماما تقريبا على أي تسلل إلى داخل إسرائيل من جانب مسلحين من قطاع غزة ·
وكتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية في افتتاحيتها تحت عنوان "من الأفضل متأخر" : إنه تم أمس، وبعد قتل 530 إسرائيليا، البدء بأعمال خط الفصل بين إسرائيل والمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية . وهذه بداية جيدة، ويمكن القول : إن متأخرًا جدًا افضل من لا شيء.
وقالت الصحيفة : ليس ثمة ضرورة للمراحل، وليس هناك ضرورة للانتظار. ودعت الصحيفة إلى إتمام العمل في جدار الفصل بالسرعة الممكنة.
وكانت إسرائيل قد أعلنت تأجيل تنفيذ المرحلة الثانية من إقامة الجدار ، لمدة عام ، حيث من المخطط أن يبدأ الجدار من أراضي قرية زبوبا غرب جنين وصولا إلى قرية جلبون شمالا ·
لكن القرار الإسرائيلي لم يرق لمجلس تجمعات مستوطنات "جلبوع " الذي دعا رئيسها عادي الدار إلى تشكيل لجنة جمع تبرعات في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بهدف الشروع في بناء المرحلة الثانية من الجدار ، دون انتظار تنفيذ ذلك على نفقة الحكومة الإسرائيلية ·
السلطة ترفض
واعتبرت السلطة الفلسطينية أمس بدء إسرائيل بإقامة الجدار الأمني أمرًا خطيرًا جدًا ، وأنه تكريس للاحتلال والاستيطان ، وأن شارون يطبق بذلك خطته المسماة المرحلة الانتقالية طويلة الأمد على 42% من الأرض ·
ووصف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اليوم الجدار بـ "العنصرية الصهيونية" ، وقال عرفات أمام الصحافيين في رام الله : " الجدار الفاصل يشكل اعتداءًا فظيعًا، إنه من فعل العنصرية الصهيونية والفصل العنصري" ، مشيرًا إلى أنه لا يمكن القبول بهذا المشروع مهما كانت الظروف ·
وأكد كبير المفاوضين د. صائب عريقات في بيان صحفي ، أن بدء إسرائيل بتنفيذ هذا المخطط يعني إلغاء الاتفاقات الموقعة وكذلك مكانة المناطق المصنفة "أ،ب" وتحويل محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كانتونات محاطة بمناطق عازلة مع تكثيف الاستيطان.
ورأى وزير الحكم المحلي أن شارون يسعى من خلال أنشطته الاستيطانية هذه إلى فرض الحل الانتقالي طويل الأمد وتحويله إلى حل نهائي على 42% من الأراضي الفلسطينية.
وأشار د. عريقات إلى أن هذا الفصل يعني تكريس نظام فصل عنصري أسوأ من النظام الذي كان سائدا في جنوب أفريقيا.
وبين وزير الحكم المحلي، أن مجموعة كبيرة من التجمعات السكنية الفلسطينية ستكون ضمن جدار الفصل والعزل في محافظتي جنين وطولكرم ، ومن أبرزها : رمانة، خربة الطيبة، عانين، برطعة، طورة الغربية، عقابة، نزلة عيسى، نزلة أبو نادر، باقة الشرقية، أم الريحان والجاروشية.
وأوضح أن عدد سكان هذه البلدات والقرى حوالي ثلاثين ألفا ، وسيعيشون داخل الأسلاك الشائكة والخنادق والجدران وسيفقدون أراضيهم الزراعية.
وقال حسن الشيخ (أمين سر مرجعية حركة فتح في الضفة الغربية) : إن هذا الإجراء يأتي في إطار عمليات تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني بذريعة ضمان الأمن للإسرائيليين · وإن هذا الإجراء الجديد يهدف أيضا إلى تكريس الاحتلال ، الأمر الذي يستوجب من المجتمع الدولي التحرك العاجل من أجل وقف هذه السياسة العنصرية التي تتنافى مع كافة الأعراف والقوانين الدولية" ·
الفلسطينيون يتظاهرون
ومن شأن هذا السياج أن يؤدي إلى فقدان آلاف العمال الفلسطينيين الذين يتسللون الآن عبر الخط الأخضر للعمل في إسرائيل بشكل "غير شرعي"·
وأعلن الفلسطينيون على طرفي الخط الأخضر رفضهم القاطع لمشروع "الجدار الأمني الفاصل" الذي يهدد بمصادرة مساحات واسعة من أراضيهم ، وعزل العديد من القرى الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 67 عن محيطها من تلك الأراضي ·
وعلى مقربة من موقع تشييد أول كيلومترين من "الجدار الأمني الفاصل" تظاهر العشرات من أصحاب الأراضي العربية المهددة بالمصادرة ، الذين حملوا لافتات تؤكد رفضهم مصادرة أي جزء من أراضيهم ·
وأعلنت لجنة المتابعة ، على لسان رئيسها المهندس شوقي خطيب ، رفضها القاطع لإقامة ما يسمى بالجدار الأمني الفاصل ، باعتباره حزاما أمنيا يعزز احتلال الأراضي الفلسطينية الخاضة للاحتلال منذ حزيران ، ولا يشكل حدودا معترفا بها ومتفقا عليها طبقا لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ·
واعتبر خطيب أن إقامة الجدار ليست وسيلة لضمان الأمن والسلام لأي طرف ، وإنما محاولة لفرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني مؤكدا أن الأمن لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الأراضي الفلسطينية ، وتحقيق سلام عادل ، ورسم الحدود طبقًا لقرارات الشرعية الدولية ·
وأعلنت لجنة المتابعة تشكيل لجنة شعبية في منطقة المثلث عموما ، وتكثيف العمل الجماعي المشترك في مواجهة مخططات إسرائيل لمصادرة الأراضي العربية ·
أما د· أحمد الطيبي رئيس الحركة العربية للتغيير ، والعضو العربي في الكنيست الإسرائيل ، فقد وصف إقامة "الجدار الفاصل" ، بأنه إمعان في نهج الفصل العنصري (الأبرتهايد) الذي يكرسه الاحتلال في الأراضي الفلسطينية ·
الجدار لن يفلح في ثني المقاومة
وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية أن وزير الحرب الإسرائيلي بنيامين بن اليعيزر قال أمس في حفل بدء أعمال إقامة الجدار : إن خمسة استشهاديين ، على الأقل، منهم اثنان ، يستعدون لتنفيذ عمليات استشهادية ، وهم يحاولون الدخول الى داخل منطقة الخط الأخضر ·
وزعم بن اليعيزر أنه في الأسبوع الماضي ألقي القبض على استشهاديين وأن الجيش اليوم يبحث عن خمسة آخرين. وذكرت مصادر إسرائيلية أن قائد لواء القدس في الشرطة ميكي ليفي زعم أمس بأن ما يسمى شرطة القدس وحرس الحدود أحبطوا مؤخرا ثلاث عمليات استشهادية . وأضاف أن استشهاديين اثنين نجحا في التسلل إلى القدس وألقي القبض عليهما داخلها في طريقهما لتنفيذ عملية .
ومن جهته قال حسين الشيخ : إن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا بوسائل قمعية وإذلالية جديدة تمارسها الحكومة الإسرائيلية يوميا ، وإنما من خلال مفاوضات سياسية جديدة تؤدي في النهاية إلى انسحاب الاحتلال من كافة أراضي الرابع من حزيران عام 67 وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على هذه