على مرّ القرون وتتابعها، ظلّت سدانة الكعبة الشريفة إحدى أعظم المهن وأجلها شرفًا وسط البيئة العربية والإسلامية، بدأت مع إسماعيل عليه السلام وتنقلت بعده لأيدي عائلات وقبائل عربية عريقة قبل أن تستقر وبشكل نهائي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم في أيدي آل الشيبي الذين يستوطنون حاليًا في مكة المكرمة.
والسدانة المهنة القديمة تعني العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوّارها وكل ما يتعلق بذلك، ومع أن بعض هذه الوظائف مثل تغيير الكسوة تقوم بها في الوقت الحالي جهات أخرى "مصنع كسوة الكعبة" إلا أن إنزال الثوب الجديد على الكعبة أو نزع الكسوة القديمة لا يتم إلا في وجود السادن، وذات الأمر يحدث عند غسل الكعبة المشرفة والذي يشمل فتح بابها للدخول بداخلها ولا يمكن القيام به بغير إذن وحضور السادن من آل الشيبي، فمفتاح الكعبة المشرفة لا يكون إلا بأيدي آل الشيبي، كما وجه الأثر النبوي الكريم، ويعتبر وجود هذا المفتاح في يدهم ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم المعاصرة، فقد سلم النبي الكريم المفتاح لشيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وابن عمه عثمان بن طلحة، قائلاً لهما: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".
وبسبب هذا التوجيه والتحذير النبوي الكريم، لم يجرؤ حاكم أو سلطان على أخذ مفتاح الكعبة من آل الشيبي الذين يتوارثون المفتاح فيما بينهم، ويعتبر حاليًا الشيخ عبد القادر الشيبي هو السادن للكعبة أو "كبير السدنة" بعد وفاة الشيخ عبد العزيز الشيبي كبير السدنة السابق قبل نحو ثلاثة أعوام.
وتنتقل السدانة داخل عائلة الشيبي من شخص إلى آخر بالتوارث إذ ينتقل مفتاح الكعبة المشرفة إليه مباشرة ولا يشترط أن يكون السادن هو ابن السادن السابق فمن الممكن أن يذهب المفتاح إلى ابن العم وهكذا، فالسن هي التي تحدد السادن.
والسدانة مخصصة لذكور عائلة الشيبي فقط، ويتم تثقيف الفتيات حول الإرث التاريخي الذي تحمله العائلة، وترافق نساء عائلة السدنة الضيفات المرافقات لضيوف الدولة، وبسبب هذه المهام التي يقومون بها تجاه الكعبة المشرفة، تحظى عائلة الشيبي بمكانة مرموقة في المجتمع المكي، وينظر إليها كإحدى أهم العائلات ذات المكانة في المجتمع.
ويحتفظ آل الشيبي بمفتاح الكعبة في كيس خاص تمت صناعته يدويًا في مصنع كسوة الكعبة من ذات خامة القماش التي تصنع منها الكسوة، ويبقى هذا الكيس في مكان آمن في بيت كبير السدنة، وعند وفاته ينتقل الكيس وبداخله المفتاح إلى كبير السدنة الجديد الذي تتوافق عليه عائلة الشيبي، وبحسب ما يذكره آل الشيبي فإن مفتاح الكعبة لم يفقد أو يسرق في العصور الحديثة، إلا أن هناك محاولة جرت قديمًا جدًا لسرقته بيد أنها فشلت، وتم إرجاع المفتاح إلى سادن الكعبة في ذلك الوقت.
ومفتاح الكعبة كما يذكر السادن الشيخ عبد القادر الشيبي هو مفتاح عادي من الحديد يبلغ طوله 35 سم، وقد تم تغيير المفتاح عدة مرات في عصور إسلامية مختلفة، والمفتاح الحالي تمت صناعته قبل تغيير الباب الحالي للكعبة الذي صنع في عهد الملك خالد بن عبد العزيز قبل أكثر من ثلاثين عامًا، بيد أن المفتاح والقفل ظلا كما هما دون تغيير، وذلك خلافًا للمقولة السائدة بأن مفتاح وقفل الكعبة يتغيران بتغير الباب.
يفتح آل الشيبي باب الكعبة المشرفة مرتين في العام وذلك لإتمام غسلها من الداخل، ويشرف السادن على إدخال ماء زمزم الطاهر وخلطه بدهن الورد والعود (من أجود الأنواع وأغلاها) ثم غسل أرضية الكعبة المشرفة والمغطاة بالرخام وكذلك جدرانها الأربعة من الداخل على ارتفاع نحو مترين، ثم يتم إخراج الماء للخارج وتنشيفها ثم تطييبها من الداخل، وتظل الكعبة محتفظة برائحة ذلك الطيب حتى موعد غسلها الثاني، ولأجل القيام بتكاليف الغسل والتطييب خصصت الحكومة السعودية نحو 60 ألف ريال تدفعها لآل الشيبي قبل موعد فتح الكعبة المشرفة للتجهيز لعملية الغسل وشراء المواد، وهذا المبلغ يخضع للتغيير بين آونة وأخرى.
وبحسب ما تشير إليه المدونات التاريخية المعتمدة فإن سدانة الكعبة المشرفة كانت عند بنائها بيد إسماعيل عليه السلام، ثم بعد وفاته صارت لولده نابت بن إسماعيل إلى أن اغتصبها من ولده أخواله جرهم، ومكثت السدانة في جرهم عدة قرون إلى أن اغتصبها منهم خزاعة، ومكثت في خزاعة عدة قرون إلى أن آل أمر مكة والكعبة المشرفة إلى قصي بن كلاب بن مرة القرشي، وهو الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم، فاسترجعها من خزاعة بعد حرب دامية، ثم صارت من بعده في ولده الأكبر عبد الدار، ثم صارت في بني عبد الدار جاهليةً وإسلامًا، إلى أن آل أمر السدانة إلى شيبة بن عثمان بن طلحة، واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، ثم صار أمر السدانة في أولاد بني شيبة بن عثمان إلى العصر الحاضر يتوارثونها كابرًا عن كابرٍ.