فينظر كيف تعملون

24/04/2013| إسلام ويب

قال الله تعالى حاكيا عن معركة موسى عليه السلام وقومه مع فرعون وملائه: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون * قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ ‏أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون}(الأعراف:127- 129) وتكشف هذه الآيات ‏عن مرحلتين من مراحل تاريخ قوم موسى:
الأولــى: مرحلة الإيذاء والاضطهاد.
والثانية: مرحلة النصر ‏والاستخلاف.
وتمر معظم الحركات الإسلامية بالمرحلة الأولى وبعضها قد وصل للمرحلة الثانية.

ومع أن كلا ‏المرحلتين لها ابتلاءاتها، ولكن يبدو من الآية أن مرحلة النصر أكثر ابتلاء من مرحلة الاضطهاد، إذ يعقب الله ‏تعالى عليها بقوله: (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون).

ففي قوله (فينظر كيف تعملون) وعد ووعيد خفي. يعنى أن الله ينظر ويراقب وسيجازيكم خيرا إن شكرتم ‏وصبرتم وثبتم على مبادئكم بعد النصر وبعد الفرج، وسيعاقبكم إن نكصتم عن مبادئكم وتحولتم وتغيرتم ‏وأطغاكم النصر والقوة والسلطان.‏

المواجهة:
والسياق القرآني يحكي المرحلتين ويلخصهما خير تلخيص:‏
فمن ناحية يكشف القرآن طبيعة الطاغوت والجبروت المتمثل في فرعون، وتنكيله واضطهاده للفئة المؤمنة ‏وإيذائها بأنواع الأذى سعيا لانكسارها واستضعافها وطمعا في تغييرها مواقفها ونكوصها عن مبادئها. (وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ ‏فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ).

وفي المقابل نرى ‏قيادة الجماعة المؤمنة تحثها على الاستعانة بالله تعالى والصبر على الابتلاء والأذى، وتذكيرها بالحقيقة التي ‏قد ينساها الناس في وقت الأذى والضعف؛ وهي أن الأرض لله يورثها من يشاء، ليبعث في نفوسهم الأمل ‏والرجاء في النصر. (قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ‏وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

ومع انكسار البعض وضعفهم يأتي التذكير بأن النصر قادم، وأن النصر له أيضا ابتلاءاته ‏التي تحتاج إلى عزيمة وصبر لعله أكبر مما يحتاجه زمن الشدة والإيذاء، (قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن ‏بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).‏

ولا شك أن كثيرا من الحركات الإسلامية المعاصرة قد ذاقت ولا تزال تذوق، الإيذاء والاضطهاد والاستضعاف ‏والذل والهوان. وقد ضرب أكثرها إن لم يكن كلها في هذه المرحلة الأولى من عمر الدعوات أمثلة رائعة ‏للصبر والتضحية والاستمساك بالمبادئ والثبات عليها.‏

وقد وصلت بعض الحركات الإسلامية إلى مرحلة السلطة سواء كان ذلك مشاركة مع الأنظمة الحاكمة أو كان ‏ذلك بتسلم مقاليد الحكم واستلام السلطة.
وينتظر الناس أن يروا النماذج للصبر والثبات على المبادئ في ‏مرحلة النصر والفرج هذه كما رأوا أمثلة رائعة للثبات والصبر في مرحلة الأذى والاضطهاد.
فهل يا ترى ‏سيثبت الإسلاميون في مرحلة النصر أم سيسقطون؟‏

ولعل مرحلة النصر والفرج أكثر ابتلاءً، لأن فيها فتنة السلطة وفتنة الجاه وفتنة الثروة والمال. وكل ذلك ‏يسكر وينسى ويطغي ويفسد. فقد روى الترمذي وصححه عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى ‏الله عليه وسلم أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف ‏لدينه).‏

ومن أجل هذا كان موسى عليه السلام يذكّر قومه وهم في مرحلة الاستضعاف بأن النصر قادم وأن الله تعالي ‏سيأتي به إن تحققت أسبابه، وحينئذ (فينظر كيف تعملون) فيه، هل ستثبتون أم ستسقطون.

ولقد ثبت من قوم ‏موسى بعد النصر من ثبت ولقد سقط منهم من سقط ، وفي كل ذلك عبرة لمن يعتبر (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ‏عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ ‏يُؤْمِنُونَ).

www.islamweb.net