في سورة آل عمران وفي سياق تحذير المؤمنين من طاعة أهل الكتاب والركون إليهم، جاء قوله تعالى: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} (آل عمران:101).
المروي في سبب نزول هذه الآية رواية واحدة، جاءت بألفاظ متقاربة، نذكرها على النحو التالي:
ذكر الواحدي في سبب نزول هذه الآية روايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما، بينهما اختلاف يسير في ألفاظهما:
الرواية الأولى: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذُكِر ذلك له، فذهب إليهم، فنـزلت: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله}، إلى قوله سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (آل عمران:103).
الرواية الثانية: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الأوس والخزرج يتحدثون، فغضبوا حتى كان بينهم الحرب، فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض، فنـزلت: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله}، إلى قوله تعالى: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} (آل عمران:103).
وروى الطبري في سبب نزول هذه الآية روايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما، والروايتان تتفقان مع ما ذكره الواحدي، وهما:
الرواية الأولى: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، فبينما هم جلوس، إذ ذكروا ما كان بينهم، حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنـزلت هذه الآية: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله}، إلى آخر قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} (آل عمران:103).
الرواية الثانية: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية، فذكروا ما كان بينهم، فثار بعضهم على بعض بالسيوف؛ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذُكِرَ ذلك له، فذهب إليهم؛ فنـزلت هذه الآية: {وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله}، إلى قوله تعالى: {فأنقذكم منها}.
والظاهر أن هذه الآية نزلت تتمة للآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} (آل عمران:100)، وقد سبق الحديث عن سبب نزولها.
والآية مع ما قبلها وما بعدها تحذر المؤمنين من طاعة أهل الكتاب والسير في ركابهم؛ إذ ليس في طاعتهم إلا الضلال؛ وذلك أنهم يتربصون بالمسلمين الشر، ولا يرجون لهم الخير، بل ديدنهم رمي الفتن بينهم، فهذا شأنهم على مر التاريخ القديم والحديث، فجاءت هذه الآيات لتحذير المؤمنين من مغبة الوقوع في شَرَكهم، وتطلب منهم النأي بأنفسهم عن طاعتهم وعدم الركون إليهم.