لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المسداة والنعمة المهداة إلى الكون بكافة مكوناته وكائناته، وإلى العوالم بمختلف تشكلاتها وتنوعاتها، وراعت رسالة الإسلام مد شراع العدل إلى منتهاه؛ ليشمل عدل الإنسان مع نفسه وعدله في التعامل مع بني جنسه وعدله في التعامل مع المخلوقات الأخرى من حوله ليشمل ذلك العدل حتى تعامل الإنسان مع الحيوان ومراعاته حدود الإنصاف وعدم الجور في هذا التعامل.
ونصوص السنة النبوية المطهرة خير شاهد على هذه الرعاية المبكرة لحقوق الحيوان والرفق به؛ فقد أوضحت أن البهائم والحيوانات تمتلك كبدا رطبة – كما الإنسان – ومن ثم فقد وعدت بالأجر العظيم جزاء تلبية حاجياتها الأساسية للحياة وإنقاذها من براثن الموت؛ كما وعدت بالأجر العظيم لقاء بعث الحياة في كل شيء؛ فلقد بين لنا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أن بغيا من بغايا بني إسرائيل دخلت الجنة في سقيا كلب كاد يقتله العطش [كما في الصحيحين]، وأن رجلا دخل الجنة بسبب أنه جاهد المشقة ليسقي كلبا رآه يلهث يأكل الثرى من شدة العطش، [ كما في الموطأ، و البخاري]، وبالمقابل بينت لنا السنة النبوية أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلاهي أطعمتها ولا أطلقتها تأكل من دواب وهوام الأرض [عند البخاري، ومسلم]، كل هذه النصوص تتضافر على أهمية رعاية الحيوان والأجر العظيم الذي قد يترتب على رعايته وتوفير سبل ووسائل الحياة له.
ثم تمضي نصوص السنة النبوية في التنبيه على أهمية مراعاة حقوق الحيوان والتحذير من التهاون بها أو التفريط فيها؛ فقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا " [أخرجه أحمد وصححه الألباني]، فهذا النص الجليل يوضح مقدار العناية التي أولاها الإسلام حتى للحيوان ومنظار الرحمة التي كان ينظر بها إليه في وقت كان العالم لا يعرف فيه تقديرا لحقوق كثير من البشر، ولا يرى فرقا بين طبقات المجتمع الدنيا – حسب تصنيفاته – والحيوان من جهة، ولا بين الحيوان والجماد من جهة أخرى .
وفي ملمح آخر من ملامح اهتمام السنة بالحفاظ على الحياة وما فيها ، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام جعلا مكة والمدينة حرماً آمناً - بوحي من الله - ، فاستفاد كل من فيها وما فيها ،وأمن من كل أنواع الأذية والترويع فحرم اصطياد ما فيها من الصيد والطير ،وحرم قطع نباتها وكفل الحق التام في الحياة لكل ما يدب على ظهرها ، وكأن في ذلك ما يشير إلى جواز إنشاء المحميات من قبل الإمام الحاكم وإعطائه الحق في حماية بعض الحيوان من الاعتداء عليه إذا كان يقع ضمن الملكية العامة وفي انقراضه ما يهدد التوازن الطبيعي للبيئة .
وأيا ما كان الأمر فإننا نجد أن المنظور الإسلامي للتعامل مع الحيوان يسير وفق منظور متزن ورؤية منصفة؛ فهو يرتب الكائنات في هذا الكون ترتيبا هرميا؛ يحتل قمة الهرم فيه الإنسان الذي شرفه الله بحمل الرسالة وكرمه بالعقل وتحمل الأمانة، يليه في الهرمية بقية الحيوانات الأخرى، ثم في قاع الهرم الجمادات والنباتات وما لا روح فيه من الكائنات، وحسب هذا الترتيب يبيح الإسلام للكائنات في قمة الهرم استخدام واستهلاك الكائنات أسفل منها وتمكنها الإرادة الكونية من ذلك ضمانا لاستمرار دورة الحياة ودولاب دوران الطاقة، ولكن تقيد قوانين الإسلام هذا الاستخدام بحدود العدل وضمان عدم الجور أو الإفراط في الاستهلاك، شكَّل هذا الهَدْي الرباني العظيم – كما يقول السرجاني - نظرة الحضارة الإسلامية عبر العصور إلى الحيوان، وإلى رعاية شئونه وحقوقه وهي نظرة فريدة، تُرجِمت - بلا ضجيج إعلامي صاخب - إلى سلوكيات تلقائية، ونُظُمٍ اجتماعية تَقَرَّب بها المسلمون إلى ربهم, ودخلت في نسيج عباداتهم؛ ومن ثم فهي منطلقة من المبدأ الإنساني, ومن الدافع التعبدي؛ فهي عبادة قبل أن تكون مجرد إحساس إنساني ومشاعر .