القواعد الكلية للأحاديث الضعيفة والموضوعة 2-2

03/11/2014| إسلام ويب

مواصلة لهذه السياحة المباركة في رحاب علوم السنة المطهرة نستعرض قواعد وكليات جديدة من الأبواب والموضوعات التي رويت فيها أحاديث عديدة نسبت إلى مشكاة النبوة لكن صيارفة المحدثين ونقاد متون السنة أثبتوا أنه لا يصح منها شيء اعتمادا على قواعد الجرح والتعديل وعلم علل الحديث وتاريخ الرجال؛ فمن هذه القواعد ما يلي:

• أذكار السواك لم يصح منها شيء قط عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استاك قال: " اللهم اجعل سواكي رضاك عني واجعله طهورا وتمحيصا وبيض به وجهي ما تبيض به أسناني "، في إسناده: عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري متهم بالوضع؛ فالحديث - كما بين الشوكاني وغيره - موضوع بل قال النووي باطل لا أصل له.

• لا يصح حديث في النهي عن اتخاذ المحراب في المسجد: من ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب "، رواه البيهقي، وقال عنه الذهبي: هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغراء وليس بحجة، وحديث: " لا تزال هذه الأمة - أو قال: أمتي - بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى "، أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "، وهو حديث معضل ضعيف في إسناده أبي إسرائيل؛ إسماعيل بن خليفة العبسي، قال الحافظ في " التقريب ": صدوق سيء الحفظ، والمحراب هنا: هو التجويف الدائري الذي يكون فى وسط جدار المسجد من اتجاه القبلة حيث يقف الإمام كعلامة على القبلة.

• جميع ما ورد في الفاكهة من الأحاديث موضوع: مثل ما يروى عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلوا التين، فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة بلا عجم لقلت: هي التين، وإنه يذهب بالبواسير، وينفع من النقرس "، ذكره السيوطي في " الجامع " برواية ابن السني وأبي نعيم والديلمي في " مسند الفردوس "، قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " بعد أن ذكر الحديث: وفي ثبوته نظر، وقال الشيخ الألباني: ويغلب على الظن أن هذا الحديث موضوع فإنه ليس عليه نور النبوة.

• أحاديث قراءة القرآن عند المقابر أو هبته للموتى باطلة لم يصح منها شيء: مثل رِوَايَة: " من مر على الْمَقَابِر وَقَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} إِحْدَى عشرَة مرّة ثمَّ وهب أجره للأموات أعطي من الْأجر عدد الْأَمْوَات "، وهو حديث بَاطِل وليس من كلام النبوة ولا من كلام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قطعا كما قال المحدثون، وحديث: " من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم " لا أصل له في كتب السنة، بل إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي: " اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا "، يدل على أن القبور لا يقرأ فيها القرآن، وقد قال الإمام الدارقطني: لا يصح في هذا الباب حديث فكل هذه الأخبار والآثار شاذة منكرة مخالفة للأصول العامة المقررة في القرآن المجيد، ومخالفة أيضا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم طول حياته هو وسائر أصحابه وتابعيهم بإحسان.

• أَحَادِيث مدح الْعُزُوبَة كلهَا بَاطِلَة: كما قاله العلامة ابْن قيم الجوزية وغيره، كالحديث المروي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم في المائتين الخفيف الحاذ» قيل: يا رسول الله، وما الخفيف الحاذ؟ قال: «الذي لا أهل له ولا ولد، خفيف المؤنة»، تفرد به رواد وهو ضعيف وقد أدخله الْبُخَارِيّ فِي الضعفاء وقال كان قد اختلط لا يكاد يقوم حديثه، قال السخاوي: وفي معناه أحاديث كثيرة – ثم سردها – قال: وهي مروية في السنن لكن لا يقوم منها شيء.

• أحاديث ذم الأولاد كلها كذب من أولها إلى آخرها كما يقول العلامة الحلبي: من أمثلتها ما رواه الديلمي عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يأتي على الناس زمان لأن يربي أحدكم جرو كلب خير له من أن يربي ولدا من صلبه "، هذا الحديث موضوع؛ فداود بن عفان – راوي الحديث عن أنس - شيخ كان بخراسان يزعم أنه سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه، ويروي عنه ويضع عليه، قال فيه ابن حبان: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه.

• أحاديث التواريخ المستقبلة؛ كل حديث فيه إذا كانت سنة كذا حل كذا وكذا، أو يكون في سنة كذا أو شهر كذا وكذا باطل: كحديث فيروز الديلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون في رمضان صوت "، قالوا: " يا رسول الله؛ في أوله، أو في وسطه، أو في آخره "، قال: " لا؛ بل في النصف من رمضان، إذا كان ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا، ويخرس سبعون ألفا، ويعمى سبعون ألفا، ويصم سبعون ألفا "، قالوا: " يا رسول الله؛ فمن السالم من أمتك "؟ قال: " من لزم بيته، وتعوذ بالسجود، وجهر بالتكبير لله، ثم يتبعه صوت آخر، والصوت الأول صوت جبريل، والثاني صوت الشيطان؛ فالصوت في رمضان، والمعمعة في شوال، وتميز القبائل في ذي القعدة، ويغار على الحجاج في ذي الحجة، وفي المحرم، وما المحرم؟ أوله بلاء على أمتي، وآخره فرح لأمتي؛ راحلة في ذلك الزمان بقتبها ينجو عليها المؤمن خير له من دسكرة تغل مائة ألف " أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وقال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا حديث لا يصح.
قلت: ينبغي أن يستثنى من عموم هذه القاعدة حديث: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال: " أرأيتكم ليلتكم هذه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثونه من هذه الأحاديث عن مائة سنة وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن " فإن هذا الحديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرجهأحمد في المسند، والبخاري، ومسلم ، وأبو داود، والترمذي بألفاظ متقاربة.

• لَا يَصح فِي قطع السدر شَيْء كما قال الْعقيلِيّ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث صَحِيح: وقد ألف السيوطي رسالة لطيفة تتبع فيها ما روي فيه من الأحاديث – مطبوعة ضمن كتابه الحاوي للفتاوي بعنوان: رَفْعُ الْخِدْرِ عَنْ قَطْعِ السِّدْرِ - فأحصى منها ستة عشر 16 حديثا، وتحدث عن فقهها، وقد صحح الألباني منها حديثا واحدا وهو حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قاطع السدر، يصوب الله رأسه في النار " أخرجه البيهقي، لكن الذي عليه أئمة المحدثين متقدميهم ومتـأخريهم أنه لا يصح في النهي عن القطع شيء، وأن كل ما ورد فيه معلول مضطرب.

( د. محفوظ ولد خيري )

www.islamweb.net