تقع جمهورية البيرو على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، ويحدها من الشمال الإكوادور وكولومبيا، ومن الجنوب تشيلي، ومن الشرق البرازيل وبوليفيا.
وللبيرو تاريخ مجيد يعود إلى حضارة الأنكا، واحتلها الإسبان من سنة 1532 إلى سنة 1824، حتى قاد سيمون بوليفار وخوسيه سان مارتن حركة التحرير هناك.
انضمت البيرو إلى ما يعرف بكولومبيا الكبرى، غير أن ذلك لم يعمر طويلاً فانفصلت عن الاتحاد الكولومبي بعد انهياره عام 1830.
اختلف المؤرخون في رصد البدايات الأولى للوجود العربي والإسلامي في دول أمريكا الجنوبية واللاتينية، ومنها البيرو، إلا أن هناك قرائن تثبت أسبقية ذلك الوجود، وجملة هذه القرائن تثبت أن المسلمين عرفوا العالم الجديد قبل اكتشافه من قبل كولمبوس بنحو أربعة قرون تقريباً، حيث ترجّح بعض المصادر والمراجع أن العرب والمسلمين عرفوا العالم الجديد في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وبالتحديد ما بين عامي 1100 و1150م، فيما كانت بداية حركة الكشوف الجغرافية الغربية للعالم الجديد في عام 1490.
ومن أبرز شواهد الوجود الإسلامي في البيرو الطابع المعماري الأندلسي الذي يميّز مساكن العاصمة ليما، حتى يخيّل لك وأنت تتجول في شوارعها أنك في قرطبة أو أشبيلية.
لقد أرسى المسلمون أسس حضارتهم وظهر تأثيرهم بجلاء في أساليب البناء وفنون العمارة، وفي النظم الاجتماعية، بل حتى في طريقة اللباس وأسلوب الطعام.. ليزداد العمق الإسلامي وجوداً مع فترة الهجرات العربية والإسلامية إلى العالم الجديد عقب انهيار الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، وليتضاعف مع احتلال فلسطين عام 1948 وتهجير أهلها قسراً، ليتركز المسلمون بشكل مكثف في العاصمة ليما.
مسلمو البيرو.. عمق التحديات وحقيقة المخاطر
رغم تلك الأسبقية في الوجود على أرض البيرو، إلا أن المسلمين يتعرّضون لخطر حملات التنصير التي لا تهدأ في محاولة منها لتضييع الهوية الإسلامية لمسلمي البيرو.
وتؤكد بعض الإحصائيات أن أكثر من ألف مسلم في البيرو يتحولون عن الإسلام بفعل الحملات التنصيرية التي تستهدفهم.
ويرجع نجاح عمليات تنصير المسلمين إلى قلة عدد المساجد والمدارس والدعاة والمؤسسات الإسلامية، التي تحاول أن تجد حلولاً لمشكلاتهم الاجتماعية والدينية. ومن غرائب الأمور أن المسلمين في البيرو يدفنون موتاهم في مقابر النصارى؛ نظراً لعدم وجود مقابر مخصصة للمسلمين، وهي مشكلة تُظهر عمق التحديات وحقيقة المخاطر التي يواجهها المسلمون هناك (أحياء وأمواتاً).
ويضاف إلى ذلك عدم وجود دعاة عرب ومسلمين يتحدثون الإسبانية ليكونوا قادرين على التواصل مع مسلمي البيرو، وتثبيت عقيدتهم. ويعاب على الدول العربية والإسلامية والمنظمات الإسلامية قلة الاهتمام بمسلمي البيرو وتقصيرهم في الدفاع عنهم.
ورغم كل هذه المعوقات، إلا أن واقع الحال يشير إلى نقطة إيجابية، فرغم أن معظم المسلمين يقطن العاصمة ليما، ورغم قلة عددهم؛ إلا أن “تأثيرهم يفوق حجمهم”، حيث تجمعهم علاقة طيبة مع ممثلي الدول العربية والأجنبية، كما أن لهم مكانة عند الأحزاب السياسية والمنظمات، إضافة إلى صداقتهم مع جميع الطوائف الدينية الأخرى؛ ولهذا فقد خصصت السلطات لهم ساعات بث يومية باللغة العربية على إذاعة ليما؛ وذلك للتعريف بالإسلام. كما أن وسائل الإعلام هناك تقدم بين وقت وآخر برامج إعلامية عن الإسلام والمسلمين، خاصة في المناسبات الدينية؛ كمناسبة شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى.
ويتمتع مسلمو البيرو بحالة اقتصادية جيدة، فمعظمهم يملكون محال تجارية، والآخرون لديهم استثمارات صناعية ضخمة، خاصة في صناعات الغزل والنسيج والسياحة.
وينشط المسلمون من ذوي الأصول الباكستانية في تجارة السيارات المستعملة بمدينة “تاكنا” جنوبي البيرو، وقد استقر معظمهم في المدينة، وحرصوا على إيجاد مسجد لهم يعرف بمسجد باب الإسلام، والذي يبدو أنه قد حاز من اسمه نصيباً، حيث حرص منشئوه على جعله بوابة لنشر الدعوة والثقافة الإسلامية.