تدخين النساء .. عوار ثقافي وتفلت قِيَمي

18/11/2014| إسلام ويب

من الأعراف السائدة في مجتمعاتنا العربية أنها تتقبل تدخين الرجل وتستهجن تدخين المرأة لأنهم يربطون تدخينها بانحلال سلوكها الأخلاقي، رغم أن التدخين هنا هو نفسه التدخين هناك بحرمته ومضاره، ورغم أنها نظرة غير منصفة، إلا أن اعتبار التدخين «سلوك ذكوري» يرجع لانتشار تلك العادة بين الرجال بصورة كبيرة ومن قديم الأيام بالمقارنة بالنساء اللاتي دخلن هذا المجال حديثا نسبيا حتى صار رؤية الرجل المدخن في كل مكان نوعا من العادات التي ألفتها العين وتعودت عليها انفعالاتنا بعكس المرأة المرتبطة بحكم فطرتها التي جبلها الله عليها بصفات الحياء والخجل الذي يحول دون جهرها بما يشين المرء.
ولا يقتصر تدخين النساء على النظرة الدونية التي تلاحقها في كل مكان، بل الأمر قد يلوح لها بشبح العنوسة لأن العقلية العربية المحافظة لا تقبل بأي حال من الأحوال الارتباط بفتاة تدخن، حتى وإن قبلت فضغط العائلة وحديث الناس من أكبر العوائق التي تقود الشاب للتراجع والإحجام.
بل إن الخطاب المجتمعي الدارج يعتبر تدخين المرأة ثلمة في صرح صفاتها الحسنة، فيقال: جميلة لكن مدخنة، من أسرة عريقة لكن مدخنة، جامعية وصاحبة شهادة مرموقة لكن مدخنة .. بل لا يمكن إطلاقا أن يقال: مؤدبة لكن مدخنة، لأن التدخين عادة قبيحة تسقط صاحبها من الأنظار، وتحط من قدره بين ذوي الأقدار.

إن المرأة المدخنة «رجل سيء بجسم امرأة» .. فالتدخين يشوه أنوثة المرأة، ويسلبها نعومتها ورقتها المعهودة، حتى بات منظر المرأة المدخنة مستفزا لأبعد درجة، وإذا كان التدخين لا يليق بالرجال أصلا فكيف بأنثى، ينفر منها الجميع بسبب رجولتها المصطنعة ورائحة السجائر المقززة، وعلى الصعيد التربوي فرؤية الأطفال لأمهم وهي تدخن شيء يرتبط لحد كبير بخلل تربوي وفجوة نفسية لديهم من الصعب معالجتها، فضلا عن تخلخل النظرة للأم المحضن والقدوة، أو على الأقل محاولة المحاكاة والتشبه، وهذه طامة كبرى وبلية عظمى.
ونتيجة الترسخ في العرف الاجتماعي أن التدخين عادة ذكورية تحرص أغلب المدخنات على التدخين في الحمامات والغرف المغلقة خوفا من تلوث السمعة أو على الأقل تجنب سماع عبارات السخرية والتهكم أو أن لا تكون محط أنظار الآخرين ومحل دهشتهم.

حقائق طبية
لا يكاد يختلف اثنان على مضار التدخين الصحية، وبالنسبة للمرأة المدخنة نجد أن مادة النيكوتين لها تأثير قابض على الأوعية الدموية مما يؤدي إلى شحوبة وجهها ويجعل لون بشرتها رمادياً، ويؤدي إلى ظهور تجاعيد مبكرة ويؤثر على حيوية الشعر والأظافر، إضافة إلى اصفرار الأسنان.
كما أن التدخين يؤدي إلى حدوث التهابات في الأحبال الصوتية الأمر الذي ينتج عنه تغير نبرة الصوت وبدلاً من أن يكون صوت المرأة رقيقاً وناعماً يضفي عليها أنوثة ورقة, يتحول صوتها إلى صوت فيه خشونة.
والتدخين يسبب تفاقم مشكلة حب الشباب، ونمو الشعر فى أماكن مثل الذقن واليدين والساقين.

والمدخنات يصلن إلى سن اليأس مبكرا عن الحدود الطبيعية المعروفة بـعشر سنوات، وعدم انتظام فترات الطمث بين المدخنات يصل إلى ضعفي نظيره لدى غير المدخنات, كما تنخفض خصوبة المرأة المدخنة (أي قدرتها على الإنجاب) بمعدل يصل إلى أكثر من 40% وتتضاعف احتمالات سقوط الأجنة المتكررة لديها أثناء الحمل، وكذلك تتضاعف احتمالات حدوث الحمل خارج الرحم وانفصال المشيمة المبكر بثلاثة أضعاف عن غير المدخنات.
التدخين أيضا يؤخر نمو الجنين داخل الرحم بسبب تأثير غاز أول أوكسيد الكربون المنبعث من السيجارة وتراكمه في الرئتين يؤدي إلى قلة وصول الاوكسجين والمواد الغذائية المنقولة عبر المشيمة إلى الجنين مما يؤدي في أكثر الاحيان إلى موت الجنين داخل الرحم.
والمدخنة الحامل تكون أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل وزيادة احتمال إصابتها بالجلطة القلبية والدماغية وسوء التغذية وفقر الدم.
66% من المدخنات معرضات للإصابة بجلطة المخ. وهن أكثر عرضة للفشل الكلوي والبول السكري وسرطان عنق الرحم وهشاشة العظام.
كما تشير دراسات أخرى إلى أن نحو 25% من المدخنات يتوفين بسبب أمراض ناجمة عن التدخين وثلث هؤلاء يمتن دون 56 من أعمارهن، وفي مجتمع المدخنات يعد التدخين مسئولاً عن 40%, بل إن وزارة الصحة الأميركية كشفت في تقرير لها عن أن التدخين يقتل 165 ألف امرأة سنوياً.

دوافع ومبررات
وعن الدوافع والمبررات التي تدفع بالمرأة للتدخين فأصدق ما يقال عنه أنه «عذر أقبح من ذنب»، فالبعض وخاصة المراهقات يرونه نوعا من الانفتاح وإثبات الذات ومظهر من مظاهر التحضر والعصرية ووسيلة لممارسة الحرية والاستقلالية، ولا شك أن هذه الفكرة تولدت جراء الانفتاح الغير منضبط على المجتمعات الأخرى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومحاكاة المسلسلات التي تروج لممارسة التدخين وتظهـره على أنه ملجأ من الهموم والقلق.
كما أن تفشي التدخين وسط الآباء والشباب الذكور في البيوت يتيح فرصة للفتيات للتجربة بسهولة.
وبعض المخدوعات لجأن لهذه الآفة بسبب الطلاق أو المشاكل الأسرية أو الفراغ أو الصحبة المدخنة.

ومن البلية أن نجد زوجات أدمن الدخان مع الأزواج المدخنين، وكانت البداية كنوع من المرح والإحساس بالمشاركة ولكن انقلب الأمر عليهن ووقعن في شراك الإدمان الذي لا فكاك منه إلا بشق الأنفس.
ومن المضحك أن البعض يرين السيجارة تساعد على فقد الوزن والحفاظ على القوام متجاهلات الآثار الكارثية للتدخين.
يذكر أن عمل المرأة خارج المنزل كان أحد الأسباب التي لا يمكن تجاهلها حيث أشارت تقديرات الأخصائيين الاجتماعيين أن نسبة المدخنات تزداد كلما اتجهت المرأة للعمل خارج بيتها، والسبب في ذلك يعود إلى وسائل الاحتكاك مع الأخريات والشعور بشيء من الاستقلال المادي عن العائلة.

الإيمان خير ترياق
لا شك أن ضعف الوازع الديني والخلل التربوي هو العباءة التي خرجت من تحتها كل مشاكلنا الاجتماعية قاطبة، وبالتالي فمعالجة الأمور ينبغي أن ترجع إلى سببها الرئيس وليس بتجاهل الأصل والتمسك بالفرع عن طريق سن القوانين وفرض العقوبات وعقد الندوات الإرشادية والبرامج التثقيفية وكلها حلول مساعدة وليست ناجعة، استخدمها الغرب من قبلنا مرارا وتكرارا ورصدت لها ميزانيات جبارة ولكنها لم تؤت أكلها ولو بعد حين.

إن محضن الدين الإسلامي كفيل بأن يذيب كل هذه الآفات ما دامت العقيدة الصافية مترسخة في القلوب، والقدوة الصالحة متوفرة في الأسر والمجتمعات، فما زال القرآن شفاء لما في الصدور، وما زالت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وما زال الذكر يطمئن القلوب وينتشلها من مستنقعات القلق والتوتر، وما زال الإيمان بالقضاء والقدر روضة الراضين وملاذ الشاكرين.

إن الإيمان الذي منع الصحابة عن الخمر فور نزول آية تحريمها بالمدينة هو الكفيل اليوم بأن يردنا إلى جادة الصواب، فإذا تمكن من القلوب استنارت وانقشعت ظلمة المعاصي فهانت على الجوارح تركها، أما عبارة «التدخين ضار جدا بالصحة» فقد باتت عبارة ساذجة رغم حقيقتها، لأنها وببساطة لم تلق قلوبا واعية تخشى الله في السر والعلن، فمع المراقبة والخشية يهون الترك، وتحجم النفس عن الشهوات ولو كانت مستطابة، ويكون رضا الله تعالى نعمة لا تدانيها نعمة.

 

www.islamweb.net