مقاصد القرآن الكريم في سورة الفاتحة عند المفسرين

28/04/2016| إسلام ويب


(الفاتحة) تُبين الأهدافَ الكليةَ للإسلام، وهي المقاصد التي يحتاج العالم إلى معرفتها لإدراك سر الحياة:

فإذا أراد إنسانٌ معرفةَ سر الحياة الدنيا، وفلسفة الوجود، والإجابة المختصرة على الأسئلة الكونية المؤرقة للبشرية (من أين، وإلى أين، ولماذ) فإنه سيجدها بسهولة عندما يدرك الأهدافِ العليا للإسلام، وسيراها بكل وضوح عندما يتعرف إلى المقاصدَ الكلية التي يدور حولها القرآن، وأيسر طريق لذلك أن يتأمل (الفاتحة) ويتدبرها، فهي (القرآن العظيم)، وقد حاول أهل العلم أن يـُحَدِّدُوا المقاصدَ القرآنية التي أظهرتها (الفاتحة)، واختلفت عباراتهم في ذلك مع اتفاقهم في المضمون غالباً، فبعضهم قرَّرَ بأنها ثلاثة مقاصد، وبعضهم جعلها أربعاً وبعضهم زاد على ذلك، ولنذكر هنا ثلاثةَ نماذج لجهود أولي الأبصار السابقين تبين كيف اكتنزت (الفاتحة) مقاصدَ التنزيل القرآني المبين لتختصر للعالم معالمَ الإسلام العظام التي بها يَعرفون هويتهم وحقيقتهم ورسالتهم في الحياة:

النموذج الأول: مقاصد القرآن عند الرازي –رحمه الله تعالى- أربعة هي: الإلهِيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لِلَّه تعالى، وهي كلها مجتمعة في الفاتحة:
فقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} يدل على الإلهيات.
وقوله: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يدل على المعاد.
وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يَدُلُّ عَلَى تفاصيل عقيدة القضاء والقدر عند المسلمين التي تتخلص في نفي الجبر من جهة وإثبات الاختيار من جهة أخرى حيث يقول الأبرار (نعبد-نستعين)، مع الخضوع لمشيئة الواحد القهار التي نستمد منها المنة والنعمة، ولذا قال الله عن دعاء الصالحين: (أنعمتَ). 

وقوله: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} يدل أيضا على إثبات قَضاء اللَّه وقدره، كما يدل على النبوات، وما يترتب عليها من مواقف المتبعين والصادين المجرمين .

النموذج الثاني: مقاصد القرآن عند محمد رشيد رضا –رحمه الله تعالى-: خمسة مقاصد كلية، وهي:

التوحيد، والوعد والوعيد، والعبادة، وبيان سبيل السعادة وكيفِية السير فيه، وقَصص السعداء والأشقياء وصفاتهم.

النموذج الثالث: نموذج الطاهر بن عاشور –رحمه الله تعالى- فقد قرر مقاصد القرآن الكلية بصورةٍ أخرى، وجعلها ثلاثةَ مقاصد، وهي الثّناء على اللَّهِ، والأوامر والنواهي، والوعد والوعيد.

فهذه هي مقاصد القرآن كله، وغيرها تكملات لها.

سبب حصر المقاصد القرآنية في هذه المقاصد الثلاث:

لأن الأهداف الغائية الكبرى ترجع إلى صلاح الدارين، وَذلك يحصل بالأوامر والنواهي، وهذا هو المقصد الثاني، ولما توقفت الأوامر والنواهي على معرفة الآمر وأنه اللَّه الواجب وجوده خالق الخلق لزم تحقيق معنى الصفات، وهذا هو المقصد الأول، ولما توقف تمام الامتثال على الرجاء في الثّواب والخوف من العقاب لزم تحقق الوعد والوعيد، وهذا هو المقصد الثالث.

وقد يؤيد هذا الوجه بما ورد في الصحيح فِي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاص:1] أنها تعدل ثلث القرآن لأنها في المقصد الأول من هذه المقاصد.

قفو الأثر في محاولة تحديد مقاصد التنزيل القرآني تعقيباً على تقسيم الطاهر رحمه الله:

هذا ما ذكره الطاهر من مقاصد القرآن الكريم في سورة الفاتحة، وهو رحمه الله قد ذكر في مقدمته أن مقاصد القرآن محصورة في ثمانية أمورٍ:

الأول: إصلاح الاعتقاد، الثاني: تهذيب الأخلاق، الثالث: التشريع، الرابع: سياسة الأمة، الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة، السادس: التعليم، السابع: المواعظ والإنذاروالتحذير والتبشير، الثامن: الإعجاز.

ومرة لخص مقاصد القرآن في مقصدين اثنين هما: الموعظة والتشريع، وليس الأمر عنده على الاختلاف بل على التنويع في العبارة، والتفصيل حسب مقتضى الكلام، وعلى التوسع في جعل المقاصد بمعنى المحاور، ويمكن أن نحدد المقاصد الغائية للقرآن الكريم عموماً في ثلاثة مقاصد هي:

الأول: الثناء على الله الذي يرجع إليه التوحيد.
والثاني: التزكية التي ترجع إليها الموعظة والعبادة.
والثالث: العمران الذي يرجع إليه التشريع (وهو جزءٌ من العبادة)؛ ويرجع إليه البناء الفكري من خلال معرفة أحوال السعداء والأشقياء وقصصهم.
والرابع: المعاد حيث يتم الاستقرار الحياتي النهائي للمخلوقين والعدالة الحقة غير المنقصوة حيث{تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

فالخطاب القرآني له مصدرٌ هو الله تبارك وتعالى، فذلك طرفه الأول، وطرفه الثاني هو الإنسان الموجه له هذا الخطاب، وميدان تنفيذ هذا الخطاب الكوني والشرعي هو الكون المخلوق الذي جزء منه معمور بطبيعة الخلقة يختبر الإنسان في عدم إفساده، وجزء منه غير معمور يختبر الإنسان في عمرانه، فصارت الأهداف الثاني والثالث والرابع هي التزكية والعمران ومعرفة ما يترتب عليهما، وهذا التقسيم لطرفي الخطاب القرآني هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (( أبشروا وأبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟)) قالوا: نعم قال: ((فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضللوا ولن تهلكوا بعده أبدا)) صحيح ابن حبان.
 

www.islamweb.net