المُخضرمون جمع مُخَضرَم، وهو اسم مفعولٍ من خضرَم، ومصدره: خَضْرمة، والخَضرمة في اللغة: القطع وجعل الشّيء بين هذا وهذا، أي مترددًا بين أمرين، وخَضْرَمَ الأُذُنَ: أي قطع طَرَفَها أَو نِصْفَها وأَزَالَه أَو تَرَكَهُ يَتَذَبْذَبُ، وفي الحديث: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قام يخطب النّاس يوم النَّحْر على ناقة حمراء مُخَضْرَمَة. رواه أحمد.
وقد يُطلق المُخضرَم على القديم، أو على من عاصر أو عاش في عهدين أو فترتين (كالجاهليّة والإسلام مثلا)، لأنه اقتَطع من الفترتين.
وأما في اصطلاح المحدّثين فالمُخضرم هو: الذي أدرك الجاهلية ثمّ أدرك بعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وأسلم دون أن يلقى النّبي صلّى الله عليه وسلّم أو يره، فهو ليس صحابيًّا وإن حقّق شرط المعاصرة، لكونه لم يحقِّق شرط اللقيا والرُّؤية، لكنّه يعدّ تابعيّا لكونه التقى صحابة النّبي صلّى الله عليه وسلّم أو رآهم، قال الحافظ العراقيُّ في "التّقييد والإيضاح": "المُخضرم متردّد بين الصّحابة لإدراكه زمن الجاهليّة والإسلام، وبين التّابعين لعدم رؤية النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فهو متردّد بين أمرين" انتهى باختصار، ولذا فإنّ كلّ مخضرَم تابعيّ، وليس كل تابعيّ مُخضرَم.
وقال الحافظ أبو عمرو بن الصّلاح في "المقدّمة": "المُخضرمون من التّابعين: هم الذين أدركوا الجاهليّة، وحياةَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسلموا ولا صُحبة لهم، واحِدُهم مُخضرَم -بفتح الرّاء-، كأنه خضرَم أي قُطِعَ عن نظرائه الذين أدركوا الصّحبة وغيرها. وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا، منهم: أبو عمرو الشّيباني، وسُويد بن غَفَلة الكِنديّ، وعمرو بن ميمون الأوديّ، وعبدُ خير بن يزيد الخيواني، وأبو عثمان النّهدي، وعبد الرّحمن بن ملّ، وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زُرارة. وممن لم يذكره مسلم: منهم أبو مسلم الخولانيّ عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، والله أعلم".
وقال الإمام أبو عبد الله الحاكم في "معرفة علوم الحديث": "فأما المخضرمون من التّابعين: هم الذين أدركوا الجاهليّة وحياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليست لهم صُحبة، فهم: أبو رجاء العطارديّ، وأبو وائل الأسديّ، وسويد بن غَفَلَة، وأبو عثمان النّهدي، وغيرهم من التّابعين".
خالد بن خُويلد الهذليّ
اختلف المحدّثون فيمن رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ميتا، كخالد بن خُويلد الهذليّ أبو ذؤيبٍ الشاعر، حيث أسلم في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وحين أُخبر بمرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سافر إلى المدينة ليراه فوجده ميّتًا مُسجّى صلّى الله عليه وسلّم، فحضر الصّلاة عليه والدّفن، لكنّ المحقّقين على اعتباره مُخضرمًا وليس بصحابيّ.
فائدةُ معرفة المُخضرمين
تتجلّى أهميّة ذلك في معرفة اتّصال السّند أو انقطاعه أو درجة إرساله، كما يفيد ذلك في معرفة العلل الخفيّة عند نقد الأحاديث، ومعرفة طبقات التّابعين -أي تمييز كبار التّابعين من صغارهم-، فكلّما كَبُر التّابعي كان أقربَ إلى صحّة مُرسله، وكلّما صغُر كان إلى الضّعف أقرب.
عدد التّابعين المُخضرمين
لم يتّفق المُحدّثون على عدد التّابعين المُخَضرمين، حيث اختلفت اجتهاداتهم وتباينت، قال الحافظ السّخاوي: "بلغ بهم الإمام مُسلم عشرين، ومُغلطاي أزيد من مائة، ومن طالع (الإصابة) لشيخنا وجد منهم خلقًا، وأفردهم البُرهان الحلبيُّ الحافظ في جزءٍ سمّاه (تذكرةُ الطالب المعلّم فيمن يقال إنه مُخضرم)".
وسنكتفي بالإشارة إلى أشهر التّابعين المُخضرمين، دون حصرهم وذكرهم جميعًا، فأكثرهم شهرةً هو النّجاشيّ (أصحَمة بن أَبجر)، الذي أسلم على يد الصّحابة رضوان الله عليهم حين هاجروا إلى الحبشة، لكنه لم يلتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو يره، ومن مناقبه أنه كان سببًا في إسلام الصّحابيّ الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، عندما أرسلته قريش إلى النّجاشي ليُسلِّم إليهم من عنده من المسلمين.
ومن أشهرهم: الأحنف بن قيس التّميمي السّعدي، وأسلم العَدوي مولى عمر بن الخطّاب، والأسود بن هلالٍ المُحاربيّ، والأسود بن يزيد النّخعي، وأفلح مولى أبي أيّوب الأنصاريّ، وأويس بن عامر القَرَنيّ، والرّبيع بن خُثَيم الكوفيّ، وخالد بن خُويلد الهُذليّ، وزِرُّ بن حبيش الأسديّ الكوفي، وزيد بن وهب الجُهنيّ الكوفيّ، وسعدُ بن إياسٍ الشّيباني الكُوفي.
ومنهم كذلك: سُويد بن غَفَلة الكِندي -قدم المدينة يوم دفن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان مُسلمًا في حياته-، وأبو مُسلم الخَولانيّ عبد الله بن ثوب، وعبدُ خير بن يزيد الهَمدانيّ أبو عمارة الكُوفي، وعبد الرّحمن بن ملّ أبو عُثمان النّهدي، وعُبيدة بن عمرو السّلماني، وقيسُ بن أبي حازمٍ البجلي، ومالك بن الحارث النّخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني الوادعيّ، وأبو الأسود الدُّؤلي ظالم بن عمرو.
هذا؛ وبالله التّوفيق.